الجمعة، 20 أبريل 2018

دور الصدفة والعشوائية في خلق الكون!*

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعيدا عن الإيمان بخالقنا العليم الخبير سبحانه وتعالى، يقوم النموذج المثالي الشائع لبنيان الكون، وفق النظرية المادية على ثلاثة أركان، يمثل كل منها حجرا أساسا متيناً قائما بذاته، وهي الزمان والمكان والعشوائية أو الصدفة. بحث العلم الحديث استقلالية الزمان والمكان ككيانين قائمين بذاتهما، ثابتين سرمديين ممتدين من الأزل إلى الأبد، ودحضها بهدوء ومنطق، الا أن ذلك ليس مبحثنا في هذا البوست، وربما عرجنا عليها في مناسبة أخرى.
دعونا الآن نتعامل مع عن الصدفة بنفس الطريقة العلمية والمنطق.

كراصدين، نحن نفترض أن الأحداث العشوائية هي التي خلقت كل أو أغلب ما نراه. يبدو، على سبيل المثال، أن نمط الفوهات الموجود على كوكب عطارد عشوائياً تشبه خربشات الثعالب على الأرض. نحن نفهم الأشياء، في عالم الكم الدقيق المتناهي في الصغر، كياناتٍ إحتمالية لا يقيدها الزمان والمكان بوجود ثابت الا من خلال تأثير خارجي. الماهية الإحتمالية تشتغل بشكل رائع في العديد من المجالات الكمومية وتكون "الصدفة" عملية باهرة فعلاً هناك، الا أنها ، اي الصدفة، في العادة مضلِّلة، وتؤدي إلى فهم خاطئ.
الإيضاح الأكثر شهرة في مجال الإحتمالية وما يمكن أن تنتجه الصدفة هو فكرة طابعات القرود. يقال، دع مليون قرد ينقرون عشوائيا على مليون لوحة مفاتيح لمدة مليون سنة، وسوف تحصل على نصوص كاملة شبيهة بتلك النصوص الأدبية العظيمة المعروفة عالميا، وبالتالي يمكن ، اطرادا ان ينخلق الكون بنفس الطريقة.
هل يمكن أن يكون هذا الأمر فعلاً، هل يمكن الحصول حقيقةً على النصوص الأدبية العظيمة من خلال الخبط العشوائي للقرود؟.
قبل حوالي سنين عشر ، وضع عدد من المهتمين بالحياة البريّة فعلاً، كومبيوتراً ولوحة مفاتيح أمام مجموعة من قرود الماكاكس ليروا ما سيحدث. عملياً، لم تطبع الحيوانات شيئاً. بدلاً من الكتابة، قامت الحيوانات برمي لوحة المفاتيح على الأرض واستخدمته كمرحاض وسرعان ما نبذوه واعتبروا الآلة عديمة الفائدة.
لم يتمكنوا من خلق ايما حكمة مكتوبة.
ولكن لنكن جدِّيين ونتعامل مع التجربة عقليا ومنطقياً بالطريقة التي أراد إينشتاين أن يفعلها في تجاربه الفكرية ونتساءل، هل يمكن حقاً لمليون قرد مجتهد، يواضب على الطباعة لمدة مليون سنة أن يخلق مسرحية هامليت؟، ثمّ إذا كتب احد القرود رواية موبي ديك، كلمة بكلمة، وفي محاولته السابعة والتسعين بالمئة من المليون من الدق العشوائي على مفاتيح اللوحة، ترك العمل قبل أن ينتهي منها، هل يعني ذلك شيئاً؟
صدِّق أو لا تصدِّق، حتى مثل هذه المشكلة قابلة للحل ولا تشغل نفسك بها. الآن، هناك الكثير من المواضع الموجودة في لوحة المفاتيح للنقر عليها، لنقل أن كل آلة طابعة لديها ثمان وخمسون مفتاحاً. خذ في نظر الإعتبار صعوبة الإتيان بمجرد الأحرف والفواصل اللازمة لخلق جملة واحدة من رواية موبي ديك تقول: "نادِني أنا إسماعيل" المتكونة من خمسة عشرة حرفاً.
كم عدد المحاولات العشوائية التي تحتاجها؟
مع وجود ثمانٍ وخمسين مفتاحاً محتملاً، يكون عدد الإحتمالات 58في58في58في58 ..... إضافة إلى خمس عشرة مرة أخرى من عملية الضرب، بحيث تكون النتيجة 283 ترليون ترليون محاولة.
تذكر أن لدينا في العمل مليون قرد، ولنقل انهم يطبعون 45 كلمة في الدقيقة، فتكون الفترة الزمنية اللازمة لضرب المفاتيح الخمسة عشر للجملة المذكورة، تساوي اربع ثوان فقط، ومع افتراض أن القرود لن ترتاح أو تنام أبداً، كم من الزمن سيستغرق كتابة العبارة "نادِني أنا إسماعيل" في النهاية، من قبل أحدهم حسب قوانين الإحتمالية؟.
الجواب: 36 ترليون سنة، اي بشكل عام، حوالي 2600 مرة بقدر عمر الكون.
هكذا، فإن القرود الذين يطبعون باندفاع مهتاج، لن يتمكنوا حتى من إنتاج سطر افتتاحي منفرد من الكتاب.
أمانةً، انسَ الأشياء، من قبيل قرود الطابعات، إنها مزيفة وكاذبة.
يستحيل أن يُنْتَج الكون بالصدفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*بقليل جدا من التصرف، عن كتاب البايوسينترزم الذي اقوم بترجمته حاليا ا