من جديد يأتي البرهان الدامغ على فشل المالكي وحكومته وفشل العملية السياسية التي ولدت المالكي وحكومته برمتها .
أن تفشل الحكومة في منع عملية إنتحارية إرهابية أو جريمة إغتيال طائفية أو عمل تخريبي يستهدف جسرا أو مسجدا أو حسينية أو مرفقا من مرافق البني التحتية ، فذلك شيء يمكن – شئنا أم أبينا – أن يبرر وإن كانت كثرته دليلا على ضعف الحكومة ، إذ يستحيل على القوى الأمنية في أي بلد في العالم ، حتى تلك البلدان التي تتمتع بكل أسباب القوة والمنعة ، أن تدخل كل جحور الظلام ومجاري الغدر والإنتقام والحقد الطائفي التي ترفدها مزاريب الإرهاب الأعمى ، هذا ما تؤيده أعمال العنف التي لا تستثني بلدا في أقصى الشرق مثل أندونيسا أو في أقصى الغرب مثل إسبانيا ، وهذا ما دأب المسؤولون الحكوميون على ترديده في كل مناسبة ، هنا في العراق ، وهناك في كل بقعة تعصف بها رياح الموت وتهطل عليها أمطار الدم ، ولهم مناصرون في زعمهم هذا ومنافحون .
وأن تفشل الحكومة في توفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وأمن وبقية وسائل العيش الأساسية تحت وقع حرب شرسة لا قبل لها بها مع قوى داخلية وخارجية متشابكة الأغراض والأهداف ومتشعبة الإمتدادات والتوجهات وفي ظل إحتلال غاشم يجثم على الصدور ويكمم الأنفاس ويقيد الأيادي ، فذلك شيء يمكن تبريره – شئنا أم أبينا- أيضا وإن كانت معاناته التي ألمت بالمناطق الحساسة أسفل الحزام وتحت الجلد قد ضيقت علينا سبل الحياة بما رحبت ، ويمكن للحكومة أن تردد ألف سبب وسبب وألف شماعة وشماعة لتلقي عليها المسؤولية ولن تعدم آذانا سليمة الطوية وبسيطة السريرة تصغى وتتقبل .
وأن يظهر على أداء الحكومة الكثير من الخلل والكثير من الفساد الإداري والكثير من التنابز والتناقض والتدافع والتهم المتبادلة بين أركانها فذلك شيء يمكن تبريره – شئنا أم أبينا – ويمكن على مضض التناصح بالصبر وإتاحة الفرصة الكافية للحكومة لكي تعالج موروثا تنوء به الجبال من السلبيات والتناقضات خصوصا أن أغلب عناصرها إن لم نقل جلهم ، شيعة وسنة حديثو عهدٍ بنعمة المناصب ، قليلو استحصالٍ لمؤهلات إدارة مؤسسات الدولة ، فقيرو إمتلاكٍ لخصائص القيادة والزعامة ، شحيحون في التحلي بفضائل الأخلاق ومكارم الصفات ، ، يقول أحدهم ممن لا يرجون خيرا من حكومات العهد الجديد : يا أخي عندما نحتاج الى وظائف في أدنى السلم الوظيفي مثل الكتبة وأمناء المخازن نشترط في المتقدم مؤهلا علميا وخبرة لا تقل عن ثلاث سنوات في مجال الإختصاص فكيف بهؤلاء الذين جاؤوا بهم من على أرصفة اللجوء ومقاهي المنفى ، العاطلون عن العمل ويعتاشون على المساعدات الإنسانية والضمان الإجتماعي ، بلا مؤهلات أو بمؤهلات مزورة ، بلا خبرة أو بخبرة التسكع فحسب والولاء لمخابرات أولي النعمة ، ثم أوكلوا إليهم شؤون البلاد ووضعوا بين أيديهم مصالح العباد .

كل ذلك كما أسلفنا يمكن النفوذ إلى علته والتملص منطقيا من تبعته.
أما أن تفشل الحكومة في حماية أقدس مقدساتها وللمرة الثانية فذلك شيء لا يغتفر ولا يعلل ولا يبرر إلا بتواطئ وغرض وقصد خفي .
يقول المطلعون أن اللقاء بين السيدين السيستاني والصدر وظهور الأخير من غيبته غير المفهومة الأغراض ، جاء على خلفية التوجهات الأمريكية على دعم المجاميع السنية في الأنبار وبعض الأحياء الساخنة في بغداد ومحاولة الجانب الأمريكي في فرض إجراءات مصالحة ينظر اليها الشيعة بريبة مثل قانون المساءلة والعدالة البديل عن إجتثاث البعث وإجبار المالكي على حل مشكلة منتسبي الجيش السابق بصرف راتب تقاعدي لجميع الضباط دون استثناء وإعادة من يرغب منهم الى الخدمة من رتبة رائد فما دون ، ولا يستبعد المقربون من دوائر المرجعية أن يكون السيد السيستاني هو الذي أرسل في طلب السيد مقتدى الصدر لينبهه الى مخاطر الإنجرار الى التصادم مع الأمريكيين لحساب أطراف أخرى .
هناك توجس شيعي اتجاه مستجدات السياسة الأمريكية في العراق على أعلى المستويات ، هناك حديث لا ينقطع عن المؤامرة والإنقلاب على الدستور والعملية السياسية ، هناك بوادر فتنة شيعية شيعية في محافظات الجنوب ، في البصرة والديوانية والسماوة والكوت والعمارة ، سال الدم بين أبناء الطائفة واستحكم الخلاف وتصاعدت نذر الشر والفرقة مما يهدد أول ثمرة حكم قطفها الشيعة بعد أكثر من ثمانين سنة من تأسيس الدولة العراقية الحديثة .
ليس هناك ما يبدد غيوم الشؤم هذه على الطائفة إلا حدث تراجيدي مزلزل يلم شعثها ويجمع كلمتها من جديد أكثر من عملية التفجير الثانية للمرقد المقدس لدى الطائفة في سامراء ،
وهناك مع هذا وذاك تصاعد في أزمة الملف النووي الإيراني يتمثل في الوعيد المتبادل بين الطرفين ، أمريكا تهدد بفرض المزيد من العقوبات ، ومتقي ، وزير الخارجية الإيراني يهدد بجعل أمريكا تندم ، وما الذي يمكن أن يجعل أمريكا تندم أكثر من حدث كتفجير سامراء يعيد الصراع الطائفي في العراق الى المربع الأول.
هكذا ببساطة وهدوء في ساعات الضحى التي تشهد عادة حيوية العمل وتكون الهمم في طور نشاطها الأول ، حيث يختفي خفافيش الليل وتتراجع هوام الظلام ، تنفتح العيون على اتساع حدقاتها وتنشرح الأذهان في بواكير اليوم الذي جعله الله تعالى مبصرا ، يتم تلغيم المرقد من جديد وتفجيره على مرأى ومسمع الجيش والشرطة .
عندما تم تفجير الضريح المقدس في سامراء للمرة الأول نقلت الوكالات خبرا مفاده أن معلومات خطيرة كانت قد وصلت الى مكتب رئيس الوزراء حول استهداف المرقد ما لبثت الحكومة أن نفته .
واليوم تتحدث الأخبار عن إرسال فوج حماية جديد قبل يومين دون سابق تنسيق مع القوة الموجودة في المكان مما أدى الى مشاحنات بين الطرفين وصلت الى حد إطلاق النار .
وبينما يؤكد الأمريكيون وشهود العيان وكافة المصادر الخبرية في موقع الحدث أن عملية التفجير كانت تلغيما منظما خرج علي الدباغ ، الناطق باسم الحكومة على الناس بالقول أن المنارتين سقطتا بفعل قصف صاروخي عن بعد .
عادت ميليشيا المهدي الى حرق المساجد وقتل الأبرياء وهي التي تقاعست عن أداء مهمتها الأولى في حماية المراقد المقدسة والمرجعيات العظام على حسب ادعاء قائده مقتدى الذي ما فتأ يكرر أنه لم يؤسس هذا الجيش إلا لهذه المهمة الكبيرة .
عشرات المظاهرات الصاخبة في المدن الشيعية الفقيرة من مدينة الصدر ، الثورة – صدام سابقا الى البصرة تلطم الصدور وترفع عقيرتها بالشجب والإستنكار وتعيد بيعتها للمرجعية في موقف موحد لا يمكن لأحد أن يشذ عنه أبدا
لقد أعيد تشكيل الصورة الشيعية في إطارها الموحد بتفجير سامراء الثاني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق