السبت، 30 يوليو 2011

تصالحوا مع العراق قبل أن تتصالحوا


إنفضَّ مؤتمر المصالحة العتيد ، الحال سيّان قبله وبعده إن لم يكن أسوأ ، الخصوم الرفقاء من داخل العملية السياسية لم يغادروا خنادقهم ورفضوا ركوب قطار الحكومة والخصوم الألداء من خارج العملية السياسية  صموا آذانهم ولم يتغير موقفهم الرافض لمجمل العملية السياسة .
كان نصار الربيعي رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان قد قال عشية عقد المؤتمر :" هذا المؤتمر دعاية حكومة " ، ويبدوا أن المؤتمر لم يحقق ذلك أيضا . فقد دفعت مواقف الخصوم بعدم المشاركة رئيس الوزراء العراقي الى أن يقول :" هذا المؤتمر يمثل الحد الفاصل بين الأصدقاء والأعداء " وهو بذلك ذكر الناس بقول الرئيس بوش عندما صنف العالم " معنا أو ضدنا " بعد أحداث ايلول 2001 . لا توجد حالة وسط ، معي أو ضدي ، صديقي أو عدوي  ، الفرق أن الرئيس بوش قالها وهو يستعد لخوض حروب القرن ، بينما قالها رئيس الوزراء العراقي وهو يدعو شعبه الى المصالحة .
مصالحة رئيس الوزراء العراقي إذن اهتمت بتعريف الأعداء وترسيخ حالة الخصام بدلا من كسب الأصدقاء وبناء حالة الوفاق وهي نتيجة لم تكن غائبة عن توقعات المراقبين لإن مؤتمر المصالحة العتيد كان يفتقر الى مقومات النجاح كسابقيه من مؤتمرات المصالحة التي عقدت في الداخل والخارج .
مقومات النجاح عند هؤلاء المراقبين كانت تتمثل في نية صادقة وقناعة بالمشاركة في الوطن من حيث المبدأ ، ومن حيث الإجراءات ورقة عمل واضحة تقدم المعالجات إنطلاقا من تشخيص واقعي لنقاط الخلاف والشقاق ، ومع أن هذا التقييم موضوعي وعملي فإن الأمر يتعدى العلاقة بين فرقاء العملية السياسية أو بينهم وبين المعارضة المسلحة الى العلاقة بينهم جميعا وبين العراق ، نحن بحاجة الى مؤتمر مصالحة يدعى إليه العراق ، إذ يبدو أن الخصم الرئيسي لكل الأطراف الذين سبق ذكرهم هو العراق وهو خصم اوسع صدرا منهم وأرشد رأيا وأكثر منهم جميعا عفة وسماحة ولو دعوه الى مؤتمرهم لحققوا نتائج منقطعة النظير .
لم يدعو العراق الى المصالحة وهو المتضرر الأكبر ، فهو الذي يتعرض للخراب والنهب ومسح الهوية التاريخية   ، وهو الذي يعاني من التهميش والتهجير والإهانة ، وهو الذي تقع عليه أوزار الطائفية والتعصب الأعمى والجهل ، وهو الذي تنخر فيه أمراض التخلف والظلامية والفقر ، وهو الذي يئن ويرزح  تحت ثقل الإحتلال .
في العراق هناك من يدافع عن ايران ، هناك من يدافع عن تركيا ، هناك من يدافع عن سوريا ، هناك من يدافع عن الأردن والسعودية والخليج ، هناك من يدافع عن الواق واق  ولكن ليس هنا من يدافع عن العراق .
على سبيل المثال خرج النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي وهو قيادي في الإئتلاف الشيعي من إجتماع البرلمانيين العرب الذي عقد مؤخرا في أربيل عندما تداول الحاضرون حق دولة الإمارات العربية في اتباع كافة السبل السياسية لإسترجاع حقوقها في الجزر الثلاث التي تحتلها ايران ، وهو تفضيل صارخ لإيران على مصالح العراق وتجاهل غير مفهوم للعراق الذي تقاطر عليه العرب في سابقة أولى اقل ما يقال عن ايجابياتها أنها اعتراف بالوضع الجديد ، وكان يفترض بممثل الشعب الأول أن يضغط قليلا على همه الطائفي ويمرر هذه الهنة العربية التي تطالب بخجل مفرط لإسترجاع الحقوق ، والأنكى من ذلك أن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ، أحد أهم وأكبر مكونات الإئتلاف الشيعي الحاكم أصدر بيانا يبرر الموقف وكانه يريد نزع الطابع الفردي لتصرف البرلماني الإيرا "كـ" ي .
هلل القوميون العرب شيعة وسنة والتركمان العراقيون في مقدمتهم والحكومة من ورائهم ، هللوا تصريحا أو تلميحا أو تقاعسا للغزو التركي لشمال وطنهم متشفين بشركائهم الأكراد في الوطن ، ممنين الأنفس بنهاية سريعة للحلم الكردي .
والأكراد بدورهم منذ الإحتلال وقبله في واد والعراق في واد آخر ، وإن هم عمدوا الى مشاركة وطنية ما فلغرض الحصول على مزيد من المكاسب .
هناك خصام عارم مع العراق فالأولى أن تصالحوه قبل أن تتصالحوا . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق