صابرين
ساعات معدودة فصلت بين أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتشكيل لجنة خاصة وبيان مكتبه الإعلامي حول قضية صابرين الجنابي التي ادعت تعرضها للإغتصاب عبر قناة الجزيرة من قبل مجموعة من جنود الفوج الثاني / اللواء السابع التابع للجيش العراقي في حي العامل ، جنوب غرب بغداد ، الحي الذي شهد خلال سنة أعنف موجات الإقتتال الطائفي بين المسلحين السنة وفرق الموت التي يديرها أفراد من جيش المهدي على ما تقوله الجهات السنية عموما ، ومصادر القسم السني من الحكومة كذلك ، تحت عباءة قوات حفظ النظام تارة ، ومغاوير الداخلية تارة أخرى ، وأحيانا من قبل قوات الجيش العراقي نفسه حيث سبق وأن تم تسريح كتيبة كاملة مسؤولة عن حماية نفس المنطقة من قبل قوات الإحتلال لإتهامها بالتورط المباشر في عمليات العنف الطائفي ضد السنة من سكنة الحي ، ويتحدث بعض من هؤلاء السكان أن أصحاب الزي الأسود ، وهو الزي الذي عرف به أفراد ميليشيات جيش المهدي ، يتلقون الدعم المباشر من القوات الحكومية ، حيث يصل هؤلاء الى المنطقة بسيارات النقل العام حالهم حال عامة الناس الذين يستخدمون وسائط النقل العام وهذا ما يجنبهم أنظار دوريات الجيش الأمريكي أو حتى دوريات الجيش العراقي الذين لا يتعاطفون معهم ، تقوم القوات المسؤولة عن حماية المنطقة بإعارتهم الأسلحة اللازمة ويستلمونها منهم مرة أخرى بعد تنفيذ عمليات القتل والتهجير .
عندما أمر المالكي بتشكيل اللجنة الخاصة اعتقدنا أن الحكومة تتجه الى تمييع القضية وامتصاص النقمة العارمة التي اجتاحت الأوساط السنية الحكومية ، حيث تناوب أعضاء من البرلمان العراقي من جبهة التوافق السنية على التنديد عبر الفضائيات واستصراخ النخوة العربية الإسلامية للإقتصاص من الزناة الجناة ، ومن عمان خاطب رئيس البرلمان أخاه أبو إسراء ( كنية المالكي ) أن يضرب بيد من حديد على أولئك الذين يخطوط لإفشال المشروع الإسلامي في العراق ، ومن جهة أخرى فإن خبرة الحكومة العراقية في اللجان سيئة ، حيث لم يسبق للجنة حكومية أن أتمت أعمالها أو أخرجتها الى العلن في قضايا مصيرية ربما تعتبر قضية صابرين أقل منها شأن ، كما في تفجير مرقدي سامراء أو حادث جسر الأئمة أو فضيحة المعتقل السري في الجادرية ، أو إختطاف 150 موظفا في وضح النهار من وزارة التعليم العالي .
لكن الذي حدث كان خلافا للتوقعات ، فلقد سارع المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الى إصدار بيان بعيد ساعات من تشكيل اللجنة ليعلن أن الفحص الطبي أثبت عدم تعرض السيدة للإغتصاب وأنها مطلوبة للقضاء في ثلاث مذكرات إعتقال صادرة بحقها سابقا ، أكثر من ذلك فإن البيان أشار الى أن المالكي أمر بتكريم الضباط الشرفاء ، واعتبر القضية تستهدف خطة حفظ القانون وتشويه سمعة الجيش العراقي من قبل جهات معروفة وكأنه يوجه إتهاما مبطنا الى شركائه السنة في الحكومة ، بالمقابل أبلغ مساعد لنائب رئيس الجمهورية في مجال حقوق الإنسان أن بيان المكتب الإعلامي متسرع ومشوش وأن فحوصات مستشفى إبن سينا التي تلقت فيه صابرين العلاج أكدت حدوث الإعتداء الجنسي ، وهو مستشفى وصفه المساعد بأنه مشهود له بالحياد والمهنية ، إضافة الى أن تقريرا أمريكيا بهذا الخصوص لم ينفِ الحادثة ، إضافة الى ما يشبه أن المكتب الإعلامي وقع في الفخ وأدان نفسه بنفسه عندما أعلن المساعد أن اسم صابرين هو اسم مستعار لجأت إليه الجهات التي أخرجت الحادثة الى الملأ حفاظا على سمعة السيدة العراقية حيث لا يخفى الإعتبار الإجتماعي التقليدي والديني المحافظ لمثل هذه الحوادث ، وبالتالي إن صح إدعاء المكتب بوجود ثلاث مذكرات إعتقال فإنها حتما تخص سيدة أخرى تحمل نفس الإسم المستعار للضحية ، هذا التباين الفاضح في المواقف سوف يكون له مضاعفات كبيرة في الأيام القليلة القادمة وينعكس سلبا على خطة أمن بغداد ، واذا لم تتمكن الحكومة من معالجتها بحكمة فقد يتصدع التحالف الحكومي الهش بين الكتل الثلاث الرئيسية في البلد التي تمثل الشيعة والسنة والأكراد ، وينحدر الوضع الى ما هو أسوأ بكثير ، ولهذا فإن النية تتجه الى تشكيل لجنة برلمانية تبت في القضية .
مهما يكن من أمر فإن المالكي جعل نفسه شريكا في الجريمة إن أثبتت اللجنة البرلمانية أو أية جهة أخرى محايدة أو قضائية صدق إدعاءات السيدة العراقية ، وإن لم تثبت هذه الإدعاءات ، وأنا أتمنى بصدق أن لا تثبت لأن ثبوتها يعتبر سقوطا مريعا ليس فقط للمشروع الإسلامي في العراق كما قال السيد رئيس البرلمان وإنما تمزقا لا يمكن إصلاحه في النسيج العراقي المهلهل أساسا ، وعلى الصعيد الشخصي فإن ثبوت ذلك سوف يمثل سقوطا للحلم العراقي الذي ما انفك إيمانا مني واعتقادا بوطني العراق ، عندها فقط سوف أجد مبررا لإنتحار الروائي العراقي مهدي علي الراضي مؤخرا في شقته الدمشقية تحت وقع الضغوط النفسية ، رغم أن الإنتحار من وجهة نظر الشرع الإسلامي الذي أؤمن به تماما بلا أدنى شك معصية مهلكة في الدنيا والآخر ، أقول وإن لم تثبت ادعات السيدة العراقية فإن المالكي أثبت مرة أخرى أنه ينقصه نضوج المسؤول القيادي لبلده وشعبه ويقود حكومة ينقصها النضوج كما قال الرئيس الأمريكي .
هل يستحق إعتقال سيدة عراقية في بيتها والإعتداء عليها بالضرب على الأقل كما قال بيان الداخلية أمس تكريم الضباط الشرفاء الذين نفذوا الواجب ؟، قال الناطق الرسمي أن القوات الميدانية اعتقلت السيدة لأنها قامت بالإعتداء على هذه القوات عندما توجهت الى بيتها للسؤال ( جريدة الزمان العراقية عدد أمس ) وقادتها الى الثكنة العسكرية القريبة حيث حضرت دورية أمريكية وقامت بتحرير السيدة ، ولم تعتقلها بسبب وجود مذكرات إعتقال ، تصور يا سيادة رئيس الوزراء بطولة الضباط الشرفاء المدججين بالسلاح وهم يردون الإعتداء الغاشم لسيدة عراقية في العشرين من عمرها ، عزلاء في بيتها .
بوركت أيها الغيور كما وصفك أخاك رئيس البرلمان .!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق