ماذا يجري في العراق ؟ …
سؤال مفرط في العمومية لوضع مفرط في التعقيد وعدم الوضوح ، العراق وسط شائك التحزب والتخندق وبيئة موبوءة بكل أنواع المنظمات العلنية والسرية ، والمنظمات ذات الوجهين السري والعلني ، حكومية ومدنية ( الصفة تعزى إلى نشاط المجتمع المدني ) ، محلية وأجنبية ، مشروعة وغير مشرعة ، ومنها المشروعة التي تمارس اللاشرعية على نطاق واسع ، ومن الطبيعي ، مع هذا التنوع غير المنضبط أن يكون لها طيف واسع من الأهداف ، ومن الطبيعي مرة أخرى أن لا تكون هذه الأهداف متناغمة ، بل هي على الأغلب الأعم متناقضة وفق المتناقضات التي تتحكم في من يقف خلفها ومن يديرها ، ولك أن تتخيل 32 ميليشيا شيعية وعدد غير معروف من مثيلاتها السنية وأكثر من 15 ألف مستخدم أمني مستورد ، وعدد غير معروف من رجال المخابرات لأكثر من أربعين دولة على ما يتردد في الإعلام بين حين وآخر ، وما يربو على 140 ألف من قوات التحالف ، ولا أدري لماذا يصر المسؤولون العراقيون على استخدام كلمة التحالف كمرادف لكلمة الإحتلال ما داموا يعلنون ليل نهار أن هذه القوات قد جردتهم تماما من سلطة القرار العسكري وهي التي تتحكم في الوضع الأمني والعملياتي تماما وآخرها ما صدر أمس من الرئيس العراقي في مقابلة مع صحيفة الغارديان حيث قال أن أحد الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون في الحرب ضد الإرهاب ( طبعا الرئيس العراقي يستثني إرهاب المليشيات ) هي تقييد أيدينا وأيدي الشيعة ، فلماذا الإصرار على استخدام كلمة التحالف بدلا من الإحتلال ؟، هذا يعني أن 170 ألف من قوات الشرطة الوطنية وحوالي 200 الف من قوات الجيش العراقي لا عمل لها وهي مجرد ظل بائس لقوات الإحتلال ، في الواقع هذه القوات سيئة التدريب والوعي والسلاح لا تجلس وتتمدد في الشمس بل توظف نفسها لصالح التحزب والتخندق بفعالية مفرطة لا يلجمها في الغالب إلا عصا الحليف الأمريكي .
الكارثة أن كل هذه التشكيلات المتناقضة لا تجيد إلا لغة السلاح والعنف سبيلا لتحقيق أهدافها ، فخلال أربع سنوات لم يستخدم الا القليل من العقل لإيجاد حل ، وهذا القليل نفسه لم يكن موفقا وانصب في النهاية لصالح التحزب والتخندق . الأمريكيون تحت نشوة الإنكسار المدوي للدولة العراقية ، لا استطيع أن اسميها نشوة الإنتصار لأن حربا نظامية برأيي لم تحدث لكي نتحدث عن النصر والهزيمة ، كل ما هنالك أن الغزاة احتاجوا الى 21 يوما لقطع مسافة تقرب من 700 كم من قواعدهم داخل الكويت الى بغداد ، فالمعروف أن الأرتال العسكرية تقطع عشرين كم في الساعة في سيرها المعتاد ومع بعض الإزعاجات الجوية بعاصفة رملية لثلاثة أيام وبعض التعرضات التي قامت بها مجاميع مشتتة من التشكيلات العراقية بدافع الغيرة يكون زمن الوصول غير متعارض مع إعادة إنتشار غير قتالي ، لم تكن هناك حرب حقيقية بين جبهتين ، كانت دوائر الجيش الأمريكي قد رصدت لها ستة أشهر و30 ألف قتيل فإذا بهم ينجزون المهمة في 21 يوما وب 128 قتيل نسبة لا بأس بها نتيجة لحوادث عرضية ونيران صديقة . إذن في ظل نشوة الإنكسار المدوي للدولة العراقية وضع المحتل أجندة سياسية ضاغطة إختزلت قرون من من تشكيل وعي القمع والتبعية والمركزية الشمولية لبناء ديموقراطية لم تحققها أوربا أو أمريكا نفسها الا بعد ثورات عقلية ( الثورة الصناعية ) وثورات تحررية وحروب طاحنة وإعادة صياغة الوعي الشعبي والإرادة الجمعية . سنة لحاكم مدني أمريكي ضاعت فيه الهوية السياسية للبلاد ، و18 شهرا لحكومتين إنتقاليتين لا تمتلكان أية مؤسسات وبنى تحتية للدولة ويتربص فيها الناس لبعضهم البعض ويلهث الجميع لتسجيل نقطة لصالحه ، لقد طلب من حكومتين تفتقران الى أركان الدولة قيادة البلد نحو الديمقراطية فكان أن قام بهذه المهمة أحزاب طائفية وعنصرية ومجاميع دينية غير منضبطة فأنتجت عملية سياسية مشوهة أوصل البلد الى حافة الهاوية ، أو أنه بالأحرى تدحرج في من حافة الهاوية وهو الآن في طريقه الى القاع ما لم تحل لغة العقل محل لغة السلاح التي
أثبتت فشلها على مدى أربع سنوات حافلة بالألم ومخضبة بدم الأبرياء .
أعتقد أن هذا الجواب قريب من الواقع للسؤال الذي طرحناه في البداية …ماذا يجري في العراق ؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق