السبت، 30 يوليو 2011

حيّوا العراقي - 3


 

الحب الكبير والإرادة الصادقة

منذ ما يقرب من ثلاثة عقود والعراق يحترف الهم ويتقلد الألم ، البعض يجر زمن الحزن العراقي الى ما يقرب من أربعة عقود ، أما كبار السن – أهل قبل كما نقول عندنا في العراق – فيصرون أن نهر الخير جف باغتيال الملك فيصل الثاني ، الشاب اليافع الذي لم يتجاوز عمرة ثلاثا وعشرين سنة ،  المثقف  ، الدمث الأخلاق الذي كانت  أنفاس وطنيته التي ورثها من أبيه الملك غازي  تزاحم حشرجات الربو التي تدق صدره ، سليل الدوحة الهاشمية مع أفراد عائلته وهم كل من الامير عبد الاله وامه الملكة نفيسة جدة الملك والأميرة عابدية زوجه عبد الاله ، ثم الأميرة هيام اخته ، والوصيفة رازقية وطباخ تركي واحد المرافقين واثنان من عناصر الحرس الملكي.
كانوا قد  نزلوا جميعا  الى باحة قصر الرحاب بملابس النوم مستسلمين تتقدمهم الملكة حاملة القرآن الكريم متوسلة الإبقاء على حياة  الملك  ، إلاّ أن  ضابطا  أجوف القلب والرأس  أقدم  على فتح زخات متواصلة من الرصاص على أجساد طرية لما يغادر النوم أجفانها تماما  بعد ، دون محاكمة أو مساءلة أو مقاومة من أي نوع ، بضمنهم طفل قيل أنه لجأ الى إحدى الزوايا البعيدة غير أنه لم ينجُ من بأس " الثوار" وتم  قتله "بإقدام " منقطع النظير .
وسواء كانت رحلة الهم  قد بدأت من قتل الملك وإعلان الجمهورية العتيدة وما تلاها من إنقلابات ومؤامرات رافقتها حملات ثأر دموية وحشية ، أو من تأريخ  الإنقلاب البعثي قبل أربعة عقود وما تبعها من حروب داخلية وخارجية وقمع وتنكيل وإلغاء ، أو من الحرب التي شنها كل من صدام حسين والخميني - رحمهما الله - على بعضهما البعض بعبثية خرقاء لم  تنتهي إلا بما يربو على المليون من الضحايا وضياع المئات من المليارات من قوت الشعبين ، أيا كان الأمر فأن العراق اصطبغ منذ نصف قرن  بلون الحزن واتشح بلبوس العزاء وأدمن النهران والهور والجبل على السواء كؤوس الغم وخمرة العذاب .
بعد فوز المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم بعرش آسيا يمكن للمرء أن يحس هذه الأيام بطعم مختلف ونكهة غير مألوفة  ، طبعا هذه ليس المرة الأولى التي يحقق فيها المنتخب العراقي نجاحات دولية وأقليمية ، فقد سبق للكرة العراقية أن سجلت حضورها في نهائيا كأس العالم ، ودخلت المربع الذهبى في اولمياد أثينا الأخيرة ، وأحرزت كأس الخليج وشباب أسيا والعديد من البطولات القارية التي كانت تشترك فيها إلا أن الفرحة كانت دائمة ناقصة ولم يحدث أن اجتمع العراقيون  في الداخل والخارج ، من الشمال الى الجنوب ، من الشرق الى الغرب على مثل هذه الفرحة ، وعلى مثل هذا الصدق في الإنتماء والحب :
"ألله يا عراق " صرخت عراقية من سوريا عبر الهاتف على قناة الشرقية الفضائية وهي تستغرب من جيشان عواطفها  وتغالب تنهدات البكاء " ألله يا عراق ءإلى هذا الحد  نحبك " وكأن هذه المناسبة أحدثت بركانا في دواخلنا ليتكشف عمق إنتمائنا ومحبتنا لهذه الأرض ، وليتوضح أن الحقد الطائفي الذي يعصف بنا والتناحر السياسي الذي يودي ببلدنا أو يكاد  ليس إلا زبدا رابيا لن يلبث أن ينقشع ويتبدد .
لقد تحولت تجمعات اللاجئين العراقيين الى مشاعل من العنفوان والمحبة  والمشاعر الملتهبة الصادقة ، ودارت على الشفاه المرتجفة فرحا وحسرة  أسئلة من نوع : لماذا نحن هنا ولسنا في بغداد ؟ ، لماذا يتمكن 11 لاعب من توحيد العراقيين وإدخال البهجة والسرور اليهم ويفشل في ذلك  القادة والزعماء من كل نوع ، الدينيون ، السياسيون ، الإجتماعيون ؟ مع أن الفريق كان يفتقر الى الحد الأدنى من المتطلبات باستثناء حب كبير للعراق ،  بينما القادة والزعماء بين أيديهم كل مقومات العمل ما عدا  الإرادة الصادقة لخدمة العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق