فوز فريد :
الفوز العراقي بكأس أمم آسيا إنجاز فريد من نوعه بكل المقاييس .
المنتخب العراقي بعكس الفرق المشاركة في نهائيات آسيا كان يفتقر الى مقومات الفوز وأسباب التفوق ، إعداده شحيح ، مدربه جديد ، لاعبوه لا يجتمعون سوية إلا في البطولات الرسمية لأن كل لاعب أو إثنين يلعبون في بلد مختلف ، إتحاده وإدارته تعصف بهم الخلافات ، بل أن تهم العمالة والخيانة التي لحقت بهم في بطولة الخليج الأخيرة بسبب الخسارة أمام الفريق السعودي من قبل الإعلام الطائفي لا زالت ترن في الآذان ، ولولا الخوف من عقوبات الإتحاد الدولي الذي لا يعترف بالإتحادات الوطنية المعينة دون إنتخابات لكانت الحكومة العراقية قد حلت الإتحاد وأعادت تشكيله .
هذا من ناحية الإدارة والتنظيم ، أما من ناحية الأثر السلبي للوضع المأساوي في البلد على الروح المعنوية والإستعداد النفسي فحدث ولا حرج ، ولا يحتاج الأمر الى أي ضوء لإظهاره ولا إلى أي بيان لوصفه ، كل عراقي وليس أعضاء المنتخب فحسب ، يحمل في داخله يأسا وإحباطا ، ويجد أمامه سدا من دم ونار يمنعه من التقدم .
كان منطقيا بسبب ما أسلفنا أن لا يظهر العراق في قوائم ترشيحات المراقبين للفرق التي يمكن أن تنال اللقب وتفوز بالكأس ، لا في صدر تلك القوائم ولا في ذيلها ، حتى بعد أن قهر الكنغر الأسترالي بثلاثية رائعة ، وهو المنتخب الذي حضر الى البطولة بنجومه الذين يلعبون للنوادي العالمية ، تحيط به هالة من التفوق الذي لا يقهر ، الى الدرجة التي دفعت بمدربه الى أن يصرح بغرور لافت : أن الفريق الأسترالي لا يقهره إلا الفريق الأسترالي ، وظلت الترشيحات في دائرة المنتخبات نفسها ، استراليا ، اليابان ، كوريا الجنوبية ، إيران ، السعودية .

الفخ الأسترالي الذي وقع فيه الفريق السعودي :
أجمع السعوديون ، إعلاما وإدارة منتخب ولاعبين ، ومعهم معظم المراقبين على أن الكأس أصبحت في حوزة الفريق السعودي ، وقال إعلامي سعودي بغرور لا يقل عن غرور المدرب الأسترالي أن فرص فوز فريق بلاده تصل الى 80% ، واستهزأ آخر عند الحديث عن إنعكاس تداعيات الوضع الأمني في العراق على معنويات اللاعبين العراقيين : يا أخي معظمهم محترفون خارج العراق ، وهو تعليق بمنتهى السطحية وكأن المحترف في الخارج الذي يحترق بيته بمن فيهم وهو بعيد عنهم لا يهتم ولا يتأثر ، فعلى سبيل المثال قتل في كركوك ، المدينة التي ينحدر منها كل من يونس محمود ونشأت أكرم ، أكثر من مئتين وجرح أكثر من خمسمئة شخص قبل بدأ النهائيات بفترة وجيزة في إنفجارين مروعين كانا من الإنفجارت الأكثر دموية على الإطلاق ، فهل انفصم كل من محمود ونشأت عن أهليهما وعشيرتهما وأصدقائهما ، وملاعب طفولتهما ، أي مقياس هذا ؟!!
وسار على نفس المنوال بعض اللاعبين السعوديين الذين بدوا وكأنهم يعبرون عن مشاعر بقية أعضاء

الفريق ، حيث صرح ياسر القحطاني أنه سوف يسجل إحدى عشرة هدفا إذا سجل الفريق العراقي عشرة أهداف ، وقال آخر أنه ليس مستعجلا في النظر الى الكأس بتمعن لأنهم سوف يأخذونه معهم الى جدة في اليوم التالي .
كان ذلك دليلا على الإستهانة بفريق أثبت من أول مباراة أنه فريق لا يستهان به وتصاعد أداؤه من مباراة الى أخرى بشكل واضح ، وكان يتحكم في سير المباريات ويفرض اسلوبه في الميدان خصوصا بعد الفوز الباهر عل الفريق الأسترالي ، فلعب مع عمان بهدوء أعصاب ولم يبذل من الجهد إلا اليسير الواجب لدرء خطر الفريق العماني ، وكانت مباراته مع الفريق الفيتنامي نزهة حقيقية بكل معنى الكلمة ، وهكذا دخل الى الميدان مع القطار الكوري الجنوبي وهو بكامل قواه ولياقته البدنية ، وأسقط الرهان على اللياقة البدنية للفريق الكوري الجنوبي ، حيث ظن العديد من المعلقين أن الفريق العراقي لن يستطيع مجاراة خصمه في الشوطين الإضافين ، ثم ظهر في الميدان على عكس ظنهم ، كأنه يلعب في نصف الساعة الأولى من المباراة .

تفوق منقطع النظير :
شخصيا كنت قد رشجت الفريقين العراقي والياباني للمباراة النهائية ، وقلت لزملائي أنني مع ذلك أتمنى ان تفوز السعودية على اليابان لأن مهمة الفريق العراقي سوف تكون أسهل مع الفريق السعودي لإعتبارات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر : أن الفريق السعودي والعراقي مكشوفان لبعظهما بحكم اللقاءات الكثيرة والمشاركات المتكررة في بطولات الخليج ولهذا فإن فرص الفوز متكافئة بين الفريقين ، بعكس الفريق الياباني الذي يمتاز بمقومات تفوق عديدة ، ومن تعرفه خير ممن لا تعرفه ، وتوقعت أن تكون نتيجة المباراة إما هدف واحد ضد لا شيء أو إثنان ضد واحد لصالح الفريق العراقي ، إلا أنني لم أتوقع أبدا ، وأعتقد أن أحدا آخر لم يتوقع أن يقدم الفريق العراقي سيمفونية رائعة تليق بنهائيات أمم آسيا ، بل بتاريخ لعبة كرة القدم ككل . لقد كانت مباراة متكاملة ولا أروع منها في تاريخ كرة القدم ، هل أنا أبالغ في هذا الوصف ، إذن دعوني أقول إنها المباراة الوحيدة الكاملة التي شاهدتها في تاريخي المتواضع لمتابعة كرة القدم على مدى أربعة عقود من عمري

"الميمون" ، وأعني بالكاملة أن كافة أعضاء الفريق أدوا ما عليهم بأفضل صورة ، لم يقصر أحد ولم يتهاون أحد ولم يخفق أحد وبلا مبالغة ، بضمنهم الإحتياط الذين لعبوا لدقائق معدودة ،لقد كان كل لاعب فريقا بحد ذاته ، ولهذا لم يكن عجبا أن يصل الفريق السعودي الى المرمى العراقي إلا لمرات قليلة طيلة شوطي المباراة ، في العادة يظهر في الفريق الفائزا ، ومهما كان مستواه ، خللا في مركز معين أو لاعب معين أو أكثر ، أو أن الفريق بأجمعه يتراجع في الأداء في أوقات معينة خلال المبارة إلا الفريق العراقي في هذه المباراة لعب بنفس الإندفاع بين صافرتي البداية والنهاية ، وشاركني في هذا الإنطباع معلق قناة الجزيرة الرياضية الذي قال أنه لم يشاهد من يلعب بهذا الإندفاع الذي لم يصبه الوهن ولا دقيقة واحدة ، لا البرازيل ولا الأرجنتين ولا إنكلترا ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا هولندا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق