السبت، 30 يوليو 2011

العراق الديكتاتوري ) ، ( العراق الديمقراطي ) - 3


في العراق الديكتاتوري ، لم تكن المعايير تعمل بإنصاف أحيانا ، وإذا شئت فقل غالبا ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بما يُعتقد أنه يمس أمن الدولة وسلامة النظام ، ناهيك عن القول أن أي قضية يمكن قولبتها في خانة ذاك الأمن وتلك السلامة ، أضرب مثلا رأيته بأم عيني .
كنت في زيارة لأحد أقربائي في فترة الحرب العراقية الإيرانية ، وفجأة ونحن على مائدة الغداء المتواضعة سمعنا من ينادي على ربة المنزل ، ( كان الأطفال صغارا ) أن إلحقي بفلان ( رب المنزل ) فقد إعتقله الأمن من الدكان ، خرجنا مهرولين جميعا ، صغارا وكبارا ، نساءا وأطفالا ، كان المنظر غرائبيا ، ثلاث من الشباب ، مفتولي العضلات ، خشني الملامح بلباس مدني ، مندفعين بكل همة ، يبعثرون السلع البائسة ويرمونها في الشارع ، يكسرون ما لا يرمى ويضعون ما يحلوا لهم جانبا ، واحيانا ينادون على عابر سبيل : خذ ، ويا ويله اذا امتنع ، ولهذا فإن بعض الناس كانوا يحذرون المارين عن بعد تفاديا لمثل ذاك الموقف المحرج ، والبعض الآخر يوصونهم بأخذ البضائع بهدف إعادتها الى صاحبها لاحقا ، كان يمكنك أن ترى في وجه الزوجة إنطباعا بالإنكسار والخوف والغضب وعدم التصديق ، كانت دوامة من الإنفعالات تجتاح المرأة المسكينة وهي ترى مصدر رزقها الوحيد يُفعل به ما تراه ، وقبل أن تتقدم أكثر أوقفها رجل مسن :
((احتسبي المال عند الله ، وهو على كل حال وسخ الدنيا يأتي ويذهب ، إلحقوا بالرجل ، إنهم أجلاف بلا قلب لن يتوانوا أن يفعلوا بك ما فعلوا به ))
لاحقا قيل لنا أن رجال الأمن إنهالوا على الرجل بالضرب والشتم ، وجروه وعرّوه ورموه في سيارة الأمن مثل خرقة بالية .
كانت جريمة الرجل إقتصادية ، لقد سعر علبة سكائر بغداد محلية الصنع بـ 80 فلس أكثر من التسعيرة الرسمية بـعشرة فلوس ، الدينار العراقي الحالي كان يساوي ألفا من الفلوس حينها ، وكان الدولار يساوي 330 فلسا فقط ، وكانت تلل جريمة إقتصادية في زمن الحرب تهدد،  الأمن والسلم الإجتماعيين ، وتعليمات الدولة تقتضي أن يفعل الشيء مثله بكل من يتجرأ على مخالفة التسعيرة .
أقسم لي إبن الرجل أنهم لم يتمكنوا من رؤية الوالد إلا بعد حوالي أربع أشهر وفي حالة مزرية بسبب ما لاقاه من تعذيب .
القصة عابرة والهدف منها بيان كيف كان يمكن أن يكون مفهوم ما يهدد أمن الدولة وسلامة النظام ، كان المعيار في التعامل مع هكذا حالات وفق معادلة المغفور له !! الحجاج ( أنجُ سعد فقد هلك سعيد ) ، كان طبيعيا أن يؤخذ البريء بجريرة الجاني ، ووصل الأمر الى أن تؤخذ العشيرة بذنب أحد أفرادها ، والقومية قاطبة بجريرة بعض أبنائها ، لقد كشفت المحاكمات الأخيرة لأقطاب العراق الديكتاتوري كيف أن المئات من العوائل ، بل الآلاف سيقوا الى معسكرات الإعتقال أو دفنوا في مقابر جماعية .
في العراق الديمقراطي !! الأمر يتكرر بصورة أبشع . في صراعها مع أمريكا اتخذت القاعدة والمجاميع المسلحة المتحالفة معها من أبرياء الشيعة في الأسواق والحسينات عدوا لدودا ، وبالمقابل فإن أبرياء السنة وفقراؤهم أصبحوا هدفا مفضلا لدى ميليشيات الشيعة ، مثل جيش المهدي وبدر وأفراد الحرس الثوري الإيراني الذين وجدوا في كبوة العراق فرصة للإنتصاف من العراقيين ايفاءا لثارات قادسية صدام .
اليوم قرأت في جريدة الصباح ( "ثورة" العراق الديمقراطي ) خبرا يفيد بأطلاق سراح النساء والأطفال المعتقلين في قضية الزركة بعد الإنتهاء من الإجراءات القضائية ، قال الناطق الإعلامي لجريدة الصباح (( إن عملية الإفراج جرت على شكل دفعات بموجب أوامر قضائية بعد استكمال إجراءات التحقيق )) ، هكذا حرفيا دون خجل  ،  الجريدة بالطبع أوردت الخبر على سبيل الإشادة بعدالة الإدارات الحكومية ، ولكنها نست وفاتتها الإشارة الى الأوامر القضائية التي تجيز إعتقال الأطفال والنساء لمدة شهرين بجريرة لم يرتكبوها .
وكان حوالي 1500 شخص قتلوا في أحداث ما يسمى "جند السماء" ، في هجوم مباغت شنته القوات الحكومية قرب النجف على معاقل الجماعة الشيعية المتطرفة التي كانت تخطط لزعزعة الإستقرار في العاصمة الشيعية المقدسة أثناء مراسيم عاشوراء وضرب المراجع والمقدسات حسب ادعاء الحكومة ، وهو ما وصفته الجهات المعارضة بأنه حجة لضرب المناوئين للحكومة .      


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق