السبت، 30 يوليو 2011

هل تنقذ سياسية الحكومة العراقية رقبة سلطان هاشم؟


امتنعت الإدارة الأمريكية  لحد الآن عن تسليم المدانين المحكومين بالإعدام للسلطات العراقية ، فيما عرف بمحاكمة الأنفال ، والأنفال كانت  حملات عسكرية قاسية شنها نظام صدام حسين على مواطنيه الأكراد أواخر ثمانينيات القرن الماضي ، راح ضحيتها مئات الآلاف منهم .

 بررت  السفارة الأمريكية  في بغداد ذلك أول أمس بوجود خلافات قضائية  ، وأنها  تنتظر حل هذه الخلافات قبل تسليم المدانين .
أما الخلافات فتتمثل بامتناع الرئيس العراقي جلال الطالباني ونائبه السني طارق الهاشمي  بالتوقيع على الحكم ، الأول بسبب تعهده مع منظمة حقوقية عالمية برفض أحكام الإعدام كمبدأ ، والثاني لإعتقاده – وهو ضابط سابق في الجيش العراقي – بعدم قناعته بالحكم ، على الأقل فيما يخص سلطان هاشم وزير الدفاع السابق لإعتقاده بمهنية الأخير وحرفيته العالية كما دأب المعترضون على القول ، وأن هاشم كان يؤدي متطلبات القسم العسكري وموجبات وظيفته الحساسة ، وهي حجة واهية في نظري لأن التزام أوامر قتل الأبرياء من أفراد الشعب خرق لشرف القسم العسكري نفسه ، فالعسكري مطالب بحماية الشعب والوطن قبل الإلتزام بأوامر القيادة ، ولا مجال هنا للخوض أكثر في ذلك .
المهم أن مثل هذا الخلاف كان موجودا عند إدانة الرئيس العراقي نفسه ، المرحوم  صدام حسين ،  إلا أن السلطات الأمريكية سلمته في حوالي الساعة الخامسة من فجر عيد الأضحى المبارك وتم إعدامه في غضون أقل من ثلاث ساعات  بتصديق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فقط  ، خلا فا لقانون المحكمة التي تستوجب تصديق هيئة الرئاسة ،  الطريف أن السلطات العراقية كان بإمكانها تجاوز هذا الإشكال القانوني وتفادي إحراج تنفيذ الإعدام في يوم  العيد  بالإنتظار لحين مرور مدة ثلاثين يوما على تصديق الهيئة التمييزية ، لأن قانون المحكمة الجنائية العراقية الخاصة يجعل الحكم واجب التنفيذ على الحكومة العراقية بعد مضي هذه المدة ، وهذا هو واقع الأمر الآن  ، فبحسب قانون المحكمة لا يوجد أي خلاف قضائي في تنفيذ الحكم على المدانين في محكمة الأنفال .
فما هو السر إذن في مماطلة السلطات الأمريكية وامتناعها عن تسليم المدانين ؟
لقد تحالفت قوات الإحتلال مع الشيعة والأكراد منذ غزوها للعراق ، بل وقبل هذا الغزو حيث حضيت بدعم كامل من قبل الطرفين لإسقاط نظام صدام حسين ، ونبذت العرب السنة ،  وعادتهم  وعملت  على تشتيتهم ، والنيل منهم  وهم الذين كانوا عماد الدولة العراقية وأدواتها الفعالة  .
بغض النظر عن تقييم تحالف الشيعة والأكراد مع قوات الإحتلال لما كابدوه وعانوه من قمع واضطهاد منقطع النظير من قبل نظام عرف بقسوته وطغيانه الفتاك على معارضيه ، إلا أن نبذ قوا ت الإحتلال للعرب السنة وكسر شوكتهم بحل تشكيلات الدولة وقطع أرزاقهم  وغصب حوقهم امتيازاتهم  التي حصلوا يها لخدماتهم الطويلة في الدولة ، وتسليم مقاليد البلد لغرمائهم من الشيعة والأكراد دفعهم الى التحالف مع الإرهاب العالمي متمثلا بتنظيم القاعدة الذي وجد ضالته في العراق بعد ضرب قواعده في أفغانستان ، ومد الأيدي الى كل من أزعجه ما جرى في العراق ، وهم لسوء حظ أمريكا  كثير ومتكاثر .
ومما زاد الطين بلة أن حلفاء أمريكا العراقيين ، وخصوصا الشيعة ، بعد إنزواء الأكراد تقريبا في إقليمهم رغم تمثيلهم القوي في الدولة العراقية ، لم يراعوا المصالح الأمريكية في إدارة البلاد ولم   يرتقوا أبدا الى مستوى رجال الدولة المحترفين الذين يقدمون مصلحة الوطن على مصلحة الطائفة والحزب ، وغلب عليهم  الولاء الطائفي والولاء الإقليمي  لحلفائهم السابقين بدلا من الولاء والإنتماء الوطنيين ، وكانت القيادات العربية السنية التي أفرزتها معطيات المرحلة – الصدمة أقل خبرة في مجاراة  متطلبات الواقع الجديد من أقرانهم الشيعة والأكراد الذين أمضوا عقودا في النضال السري والتحرك في دهاليز المصالح الدولية والإقليمية ، فكان أن استحوذ الشيعة على مقدرات الدولة بالكامل وحصلوا على دعم لا محدود من القوات الأمريكية التي تسعى الى دحر الإرهاب الدولي بأي ثمن وتركت لهم العنان لبناء مؤسسات طائفي بحتة تسيطر عليها الميليشيات ومدتهم بالمال والسلاح دون ضابط أو حساب حتى اكتشف مكتب المحاسبة الحكومي التابع للكونغرس ضياع 190 الف قطعة سلاح ومليار دولار من الأموال المخصصة لتدريب قوى الأمن والجيش  .
لقد تمكن الشيعة أخيرا من حكم البلاد بعد ما يسمونه مظلومية 80 سنة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة  و1400 سنة من تاريخ الأمة ولكنهم فشلوا ( وهم أحزاب اسلامية مذهبية صرفة ) في كسب مواصفات الذين تحدث عنهم القرآن الكريم قائلا ( الذين إن مكنّاهم  في الأرض أقاموا الصلاة وآتوُا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوَا عن المنكر ) ، فحكموا براية المذهب وأداروا البلاد بثقافة الإنتقام وخاضوا في دماء الأبرياء من العراقيين على مختلف أعراقهم ومذاهبهم .
إلا أن الخطأ القاتل الذي لم بنتبهوا إليه كان في فشلهم في تلبية متطلبات الإحتلال بدحر الإرهاب وإقامة نظام سياسي ديمقراطي ، وأكثر من ذلك ، لقد ساهموا في تقويض السعي الأمريكي نفسه ، ليس بسبب أجندتهم الوطنية ومقارعة الإحتلال حول سيادة البلد وخلاص الشعب وإنما  بسبب إنخراطهم في حرب طائفية خفية أذكت نار العداء لدى السنة ، وخضوعهم  لأجندة  أقليمية لا تتوافق مع الأهداف الأمريكية .

بعد حوالي أربعة سنوات من تحالفهم مع الشيعة في العراق وجد الأمريكان أنهم  يتخبطون في مستنقع يموج بكل ما هو آسن وكريه ومخزي  دون أن تلوح في الأفق بوادر خلاص  قريب أو علامات فرصة الخروج من هذا المستنقع بشكل يحفظ ماء الوجه ، زادت خسائرهم المادية والبشرية ووصل المجتمع الأمريكي نفسه الى شفا إنقسام خطير لا سابق له ،  بينما حلفاؤهم الشيعة يتعاونون مع خصومهم الإيرانيين في السر ، وأحيانا في العلن ويضربونهم من الخلف .
ثم أن الأمريكان إنبهروا بما تحقق في محافظة الأنبار ، لقد نجح رجال العشائر في بسط الأمن وطرد القاعدة وحلفائها في الوقت الذي أعلن فيه كبار ضباط الجيش الأمريكي أن المحافظة سقطت في أيدي ارهابيي القاعدة ، وكان هذا هو الإنجاز الباهر ، المدهش وغير المتوقع الذي فشل الجيش الأمريكي بعديده الذي يفوق 150 الف جندي في تحقيقه خلال أربع سنوات وبالتعاون مع اربعة حكومات عراقية متعاقبة  .
كان إنجازا يستحق هبوط الرئيس الأمريكي بطائرته في محالفظة الأنبار بدلا من بغداد ، فيما يبدو أن الرئيس الأمريكي وجد الزعيم القبلي المرحوم عبدالستار أبو ريشة أكثر نفعا من المالكي الى الحد الذي ناقش معه  النفوذ الإيراني حيث عرضت قناة فضائية محادثة استثنائية يعلن فيها المرحوم أبو ريشة استعداده لمحاربة إيران ويذكِّر كيف أنهم – أي العراقيين – قاتلوا الإيرانيين لمدة ثمان سنوت وانتصروا عليهم.
من الجازم أن الأمريكان اكتشفوا فجأة أن التحالف مع العرب السنة قد يكون أكثر نفعا من العرب الشيعة ، ولكن هذا لا يعني أن الأمريكان مقبلونون على نبذ الشيعة وطردهم من الحكم  كما فعلوا مع السنة ، إلا أن ما لا شك فيه  أنهم إقتنعوا أن الوقت ليس ملائما لتنفيذ حكم الإعدام بشخصيات سنية بحجم وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم .
 لطالما اعلن الرئيس الأمريكي أن العراق جبهة مركزية لمحاربة القاعدة ، وها هم السنة العرب يشكلون مجالس صحوة ويلاحقون عناصر القاعدة في كل مكان ويهزمونها ،  فلماذا يعاديهم ويعدم رجالاتهم ؟.
المسألة إذن ليست مسألة خلافات قضائية كما قال بيان السفارة الأمريكية ، وإنما مسألة إعادة تشكيل التحالفات. الأمريكية في العراق ،.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق