السبت، 30 يوليو 2011

العراق ، إيران ، سوريا : مفارقة غريبة


هناك مفارقة غريبة ولكنها مفهومة في علاقة العراق بجارتية الأكثر تأثيرا على وضعه الداخلي : إيران وسوريا .

 فمن المعلوم أن الحدود السورية كانت ممرا سالكا مع كل التسهيلات الممكنة للمقاتلين الإسلاميين المنضوين تحت لواء القاعدة وأولئك الذين يقاتلون تحت قيادة التشكيلات العسكرية لنظام صدام حسين ، ولا تزال الحالة مستمرة وإن بكثافة أقل بعد الضغوطات المستمرة على سوريا ،  إضافة الى الدعم التعبوي والسياسي اللامحدود التي توفره الجماعات الساندة للطرفين ومنها الحكومة السورية نفسها  بحيث أصبحت الأراضي السورية ملاذا آمنا ومثابة متينة  للإنطلاق والهجوم حيث يقيم هناك العديد من قيادات المعارضة المسلحة بشكل علني الى حد تنظيم المؤتمرات السياسية والتنظيمية والإعلامية .
إيران من جهة أخرى تعتبر الفاعل الرئيسي  في تحريك المكونات الأساسية للحكومة العراقية ولها علاقات حيوية ، عقائدية ومصلحية لا يتوقع أن تنفصم عراها إلا بتغيير جذري في أحد الطرفين ،  باستثناء الجانب السني ،  ومن المعلوم كذلك أن  ايران لا تكتفي بالدعم التعبوي والسياسي والتمويل وإنما ترسل  العشرات  من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري  للقيام بالعمليات القذرة وتوجيه وتدريب الميليشيات الشيعية الغارقة في القتل الطائفي مع السنة والتصفية السياسية مع منافساتها الشيعية  ، وتمارس ايران مع هذه الميليشيات دورا مقيتا حيث أنها على سبيل المثال تدعم ميليشا المهدي التابع للصدر وتحافظ على دعم متواصل لا محدود للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي يرأسه الحكيم ، علما أن التناحر السياسي والمسلح  يشتد ويتصاعد بين الطرفين  حتى وصل ذروته في الزيارة الشعبانية في كربلاء مؤخرا وراح ضحيتها حوالي 300 قتيل ومئات الجرحى حسب المصادر المقربة من مسرح الأحداث ، و52 شخصا حسب البيان الحكومي ثم 37 فقط حسب آخر بيان لوزارة الدفاع العراقية حينها وهي في ذلك تتبى سياسة فرق تسد لضمان استمرار هيمنتها على الساحة الشيعية في العراق .
وفي نفس الوقت تستقبل ايران  المئات من عناصر هذه الميليشيات للتدريب على القتل والخطف ومهاجمة اللأرتال الأمريكية والبريطانية أحيانا حسب مناخ ملفها النووي مع أمريكا والغرب ، وقد بلغ التواجد والنفوذ الإيراني في العراق الى الحد الذي إعتقد بموجبه الرئيس الإيراني أن بلاده  قادرة على ملأ الفراغ في العراق إذا انسحبت أمريكا وحلفاؤها .
المفارقة الغريبة أن العالم بأجمعه يعي الدورين السوري والإيراني ويتحدث عنه بصراحة علنا وتحت الشمس وقد اعتقلت القوات الأمريكية العشرات من عناصر إيران في العراق واعتقلت العديد منهم وأعلن  قائد قوات الإحتلال الجنرال بيرايوس أن  السفير الإيراني في بغداد عضو بارز في فيلق القدس ، وفي سوريا تقيم قيادات البعث المنخرطة في المعارضة المسلحة وتعقد المؤتمرات وتوجه الرسائل العلنية والسرية دون حرج ، ولا زالت جماعات رعاية المقاتلين الأجانب وإرسالهم الى العراق تعمل دون خوف ودون أن يعترض عليهم أحد .
هذا كله مفهوم ،  فسوريا وايران  تخوضان  صراع إرادات مكشوف في المنطقة مع الأمريكان على حساب العراقيين وتسعى بكل جهدها القذر والنظيف لإفشال المشروع الأمريكي في العراق وتصوره أنه مشروع إستعمار جديد يهدف الى سرقة خيرات المنطقة ومحاربة قيمها الدينية والقومية  وفرض الرؤية الأمريكية على شعوبها ، وهو تصوير يحتوي على نسبة من الصواب إلا أنه حق يراد به باطل فقد أثبتت التجارب أن الأنظمة السياسية عموما ليست حريصة بحد ذاتها خيرات وقيم وعقائد وهوية شعوب المنطقة ولم تكن كذلك في يوم من الأيام .
المسرح في الهواء الطلق والكل يتفرج ويصفق أو يصدر صرخات الإستهجان حسب قرب المسافة والمصلحة مع هذا الطرف أو ذاك إلا الحكومة العراقية فهي تشيح بوجها لكي لا ترى وتصم آذانها لكي لا تسمع وهي في الواقع ترى وتسمع  وتعاني وتكابد لأنني أعتقد كإنسان أن أقطاب هذه الحكومة يشعرون بالمرارة من كل هذه الدعارة السياسية  التي تمارس علنا على مسرح بلدهم وعلى حساب أهلهم فهم في النهاية بشر وتجري في عروقهم الدماء وتنبض في صدورهم  قلوب لا تخلو من المشاعر الإنسانية الروتينية من ألم وفرح وحزن إلا أنهم لا يملكون إلا يشيدوا بالدور الإيجابي لإيران ويردوا التهم عن سوريا أو على الأقل يسكتوا عنها لأن أقطاب هذه الحكومة أسرى  للملفات السرية والأقبية المظلمة لمخابرات البلدين حيث عاشوا هناك على الأبواب عشرات السنين وافترشوا الطرقات واضطر بعضهم الى القيام بأدوار تخزي  ولا تشرف وبالتالي لن يتجرؤوا يوما أن يتمردوا على ولي نعمتهم السابق ومن يملك مفاتيح أسرارهم وختم عوراتهم .
سلاما يا عراق سلاما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق