السبت، 30 يوليو 2011

تركيا والأكراد : توتر على حد السكين


" لا زال أمام القوات العسكرية  التي تم تحريكها الى الحدود العراقية أن تقوم بشن هجوم واسع النطاق في شمال العراق لتعقب ( العصابات الكردية ) " هذا ما تهدد به تركيا ، لكن التقارير حول المطاردة المحدودة عبر الحدود يوم الأربعاء الماضي  تسلط الضوء على  حالة توتر خطيرة كحد السكين  في ضوء العديد من الهجمات القاتلة التي ينفذها حزب العمال الكردستاني المتحصن في شمال العراق .

يرى المحللون أن أنباء الغزو المحتمل للحد من نشاط  قوات حزب العمال الذي بدأ قتاله من أجل وطن قومي في جنوب شرق تركيا منذ عام 1984 ،  تشكل تحذيرا  لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وأكراد العراق الذين يسيطرون على شماله .
موجة العنف الأخيرة جاءت في خضم الإستعداد للإنتخابات العامة في الشهر القادم مما دفع بكل من الحزب الحاكم الذي يقوده إسلاميون من جهة ، والجيش العلماني من جهة أخرى أن يقوما بتقدير ثقل الرغبة الشعبية  في القيام بهجوم قد يكلف دافع الضرائب تبعات استراتيجية.
يقول سيف تاشان مدير المعهد التركي للسياسة الخارجية في جامعة أنقرة العاصمة  :"لسنا هناك لمعاقبة الشعب العراقي ، ولكننا لا  يمكن أن نتسامح في حصول حزب العمال على عون لقتل الأتراك" ، وكان الجيش التركي قد أعلن منطقة أمنية مؤقتة حول ثلاث محافظات تركية بالقرب من الحدود العراقية ، تخضع لتقليص السفر البري والجوي الى أضيق الحدود لغاية 9 أيلول القادم.
أما رئيس الأركان ، الجنرال يشار بويقانيت فقد قال أن هناك حاجة الى قرار سياسي للتوسع أكثر باتجاه أهداف تتخطى حزب العمال الى الأكراد العراقيين بقيادة مسعود البارزاني الذي يوفر ملاذا للمتمردين .
من جانبه قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في وقت متأخر يوم الأربعاء لقناة 24 التلفزيونية  :" لا بد من قرار برلماني إذا كان علينا إتخاذ خطوة ما عبر الحدود ، سوف نتباحث مع القوى الأمنية ، وذا كانت مثل هذه الخطوة ضرورية فسوف نذهب الى البرلمان ".
ومن وجهة نظر غربية قال دبلوماسي غربي كبير في أنقرة :" تركيا تدرك أنها سوف تكون تجربة باهضة الثمن مقابل نتائج رخوة على الأرض ولهذا فقد وجد الأتراك أسبابا جيدة لعدم الإقدام على ذلك  خلال السنوات الأربع والنصف الماضية ، ولكن معادلة المنافع مقابل الثمن الباهض سوف تتغير أذا تصاعد العنف بشكل أسوأ"
يرى المراقبون أن المعادلة بدأت تتغير فعلا عندما قام الأتراك بدفن سبعة من أفراد الشرطة شبه العسكرية قتلوا على أيدي مقاتلي حزب العمال خلال هجوم على مركز للشرطة المحلية . وكانت هذه الضربة قد أعقبت تفجيرا إنتحاريا في أنقرة يوم 22 أيار ، راح ضحيته سبعة من المدنيين ، عزاه المسؤولون الأتراك الى حزب العمال ، ويقال أن الإنفجار استهدف موكب الجنرال بويقانيت نفسه الذي صادف مروره في المنطقة .، وفي ذات الأسبوع كان إنفجار آخر قدى أودى بحياة ستة جنود في جنوب شرق تركيا حيث تعيش الأغلبية الكردية ، كل هذه الحوادث أثارت جدلا عنيفا حول كيفية الرد  في الشارع التركي.
يقول ماتاخان ديمير خبير الشؤون العسكرية ومدير مكتب صحيفة الصباح التركية في أنقرة :" إذا لم تجفف المستنقع ، فإن المستنقع سوف يستمر في تجميع البعوض ، والبعوض لن يتوقف عن اللسع ، طبعا الأمركان لا يتعمدون ذلك ولكنهم لا يفعلون الشيء الكثير مما يستطيعون فعلا القيام به للسيطرة على حزب العمال في شمال العراق حسب رأي تركيا" ، والنتيجة كما يقول السيد ديمير هو تصاعد الشعور المضاد لأمريكا :" عندما يموت جندي تركي فإن الأنظار تتجه الى أمريكا ، هذا هو الرأي العام ، إن أمريكا لا تعمل بإخلاص لصالح تركيا كما عليها
ان تفعل كحليف".
يذكر أن تركيا نشرت في الأسابيع الأخيرة ألالاف أخريبن من الجنود إضافة الى 100 دبابة على طول الحدود مع العراق ظاهرها إجراء مناورات روتينية لتعزيز الجبهة ضد هجمات الربيع المحتملة من قبل حزب العمال ، إلا أن هذا التحضير على الصعيد الإعلامي والعسكري يعيد الى الأذهان إحتمال تكرر تركيا لغزواتها السابقة ، كذلك الذي حدث عام 1995 في عملية واسعة استغرقت أربعة أشهر ولاحقا مرة أخرى عام 1977 حيث دفعت تركيا بخمسين ألف جندي الى إقليم شمال العراق .
لقد إعتادت تركيا على على القيام بعمليات محدودة على طول منطقة الحدود الوعرة غير المرسومة داخل أراضي شمال العراق وقامت يوم الأحد الماضي بقصف قواعد حزب العمال في هاركوك التي تبعد تسعة أميال داخل الأراضي العراقية .
وقد علق البريكادير جنرال الأمريكي بيري ويغنز في البنتاغون يوم الأربعاء على ذلك بالقول :" الأتراك مستمرون في مقاتلة " الإرهابيين الأكراد " الذين يستهدفون العديد من مواطنيهم داخل الأراضي التركية . يواصل المقاتلين الأكراد العمليات العدائية في جنوب شرق تركيا وبالمقابل فإن الأتراك مستمرون في عملياتهم المضادة".
يصعد المسؤولون الأتراك من لهجتهم كلما زاد عدد  ضحاياهم ، فبعد زيارة قام بها مبعوث أنقرة الخاص ، أوغوز جيليكول الى بغداد في الأسبوع الماضي قال:" يجب انهاء حزب العمال كمشكلة قائمة بين العراق وتركيا ، كل المتفجرات المستخدمة من قبل هذا الحزب في تركيا يمكن تتبع مصادرها في العراق .
مما يزيد الضغوط على  أنقرة لضرورة العمل في هذا المجال هو تصاعد عدد الضحايا سنويا ، فمن عدد منخفض تقريبا يتراوح بين 40  و 60 عام 1999 ، الى 200 عام 2005 وأكثر من 600 عام 2006 ، يقول البعض أن أكراد العراق وخصوصا السيد بارزاني رئيس الأقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق يستخدمون حزب العمال للضغط على تركيا.
كانت التلميحات التركية بأن تركيا يجب أن تعمل على منع أكراد العراق من السيطرة على مدينة كركوك الشمالية  الغنية بالنفط خوفا من أن يمكن ذلك أكراد العراق من إعلان إستقلالهم ،  قد دفعت بالسيد بارزاني في نيسان الى التحذير بتدخل مقابل في منطقة جنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية :"غير مسموح لتركيا أن تتدخل في مسألة كركوك ، وإذا فعلوا فإننا سوف نتدخل في مسألة دياربكر ومدن أخرى في تركيا".
وقد علق أحد الدبلوماسيين الغربيين :" من الحمق أن يستخدم أكراد العراق ورقة حزب العمال ، فبغض النظر عن الشكل الذي سوف يتجه إليه شمال العراق لن يتمكن الأكراد من الإعتماد على ايران أو الحكومة الشيعية في بغداد فرق التصدير والإستيراد للنفط والبضائع تمر عبر تركيا".
من جانب آخر فإن المجازفة التركية كبيرة أيضا ، يقول السيد ديمير من صحيفة الصباح :" إذا لم تتمكن من تحضير أرضية سياسية فإن عملك لا داعي له " ، الخيار صعب بكل معنى الكلمة إذا تم نشر القوات : إما عليك الذهاب مع عشرات الآلاف من الجنود والبقاء هناك ونشرهم على نطاق واسع وربما التصادم مع أكراد العراق أو حتى مع القوات الأمريكية ، أو قم بعملية صغيرة ومكثفة ولكن في هذه الحالة :" إذا ذهبت ليوم واحد ثم تركت المنطقة وعادت هجمات حزب العمال فعليك العودة من جديد وهكذا".
قال رئيس الوزراء التركي في الأسبوع الماضي :" لقد نفذ صبرنا " إلا أن البرلمان ينتظر إنتخابات جديدة .
من المعلوم أن الوضع على الأرض في جنوب شرق تركيا يختلف عن الوضع خلال العقود الأخيرة عندما كانت المنطقة المهمشة والمهملة من قبل الحكومات التركية تخضع لأحكام الطوارئ وتحدث يوميا خروقات جدية لحقوق الإنسان تحت الإدارة الحديدية للجيش التركي الذي دمر أكثر من ثلاثة آلاف قرية وقامت بترحيل الآلاف من السكان
وأخيرا فإن الصراع مع حزب العمال أودى الى حد الآن بحياة ما يقارب من 30 ألف شخص ، إلا أن الأكراد في تركيا بدأوا بالحصول على العديد من الحقوق القومية منذ إعتقال زعيمهم عبدالله أوجلان مثل التحدث بلغتهم وإدارة العديد من المجالس  المحلية .

خدمة ياهو . ترجمة يّقين .مُدَوَّنَتي .

ملاحظة : الترجمة لا تعني تبني ما ورد من طروحات في الموضوع فبرأينا أن القضية الكردية قضية عادلة ، شأنها في ذلك شأن قضايا الشعوب المضطهدة على مر التاريخ ، وأن تركيا لا زالت أسيرة الماضي السلطاني في سعيها للتدخل في شؤون العراق ، إلا أننا رأينا هذا التقرير تناول الموضوع بحيادية أكبر بكثير من العديد من التقارير التي اطلعنا عليها أو سمعناها  حول التوتر الأخير بين تركيا وأكراد العراق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق