السبت، 30 يوليو 2011

زرع أمريكا وحصادها في العراق


        كان واضحا للمراقبين ان الولايات المتحدة الأمريكية تصبو الى تحقيق العديد من الأهداف عندما قررت غزو العراق في ثان حلقة من سلسلة حروب الألفية الثالثة بعد أفغانستان لمكافحة الإرهاب الذي عصف بأمريكا في نيويورك صبيحة الحادي عشر من أيلول عام 2001 ، رغم فشلها في توفير غطاء من الشرعية الدولية . من هذه الأهداف ما هو معلن ومباشر ، جهرت به على رؤوس الأشهاد . ومنها ما هو غير معلن وغير مباشر استتنتجه المراقب الحصيف ، بل وغير الحصيف كذلك . ومنها ما هو عام على شكل توجهات وخطط وسياسات قريبة وبعيدة المدى ، وردت حيثياتها في تصريحات مسؤولي الإدارة  ومحاضراتهم ونصائحهم .                  

         فمن الأهداف المعلنة المباشرة ، القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي استعرض كولن باول أدلته عليها في جلسة مجلس الأمن الشهيرة ، لا يمكن الجزم أنه كان معتنقا بها حقا أو أنه كان يؤدي مهام منصبه ليس إلاّ في سيناريو مكتوب سلفا يراد له في أن يكون حصان طروادة ، وبالتالي منع إنتقال هذه الأسلحة  الى الإرهاب الدولي المتمثل بالقاعدة من خلال خيوط لم تثبت لحد الآن لنسج علاقة معتبرة بين النظام العراقي المنهار و المنظمة العتيدة التي كان ولا يزال عداؤها السافر للغرب يقض مضجع عامته وأهل سياسته ، وهي على كل حال أهداف لم تبلغ مبلغا من المصداقية يكفي لنيل الشرعية الدولية كما ذكرنا آنفا.
        أما أهداف الصنف الثاني التي وإن بدت هامشية وغير حاضرة بقوة في أذهان الكثيرين فإنها ربما كانت المحرك الأساسي للحدث ، وحطب ناره ، ومنها العداء الشخصي الذي نشأ بين عائلة بوش ونظام صدام ، فرغم أن حرب الكويت سجلت هزيمة منكرة لنظام صدام وضياع أحلامه الإمبراطورية في السيطرة على نفط الخليج ، وتعرضه لطرد شنيع ومؤلم ، فإنه – أي نظام صدام- ما لبث أن استعاد طروحاته الإعلامية في التصدي للنفوذ الإمبريالي وتحقير الإدارة الأمريكية وسياساتها في المنطقة بغض النظر من أن نتائج الحرب جردته من كل حول وقوة إلاّ قوة الإعلام التي استطاع أن يوظفها بشكل كبير ومؤثر . ثم أن النظام الدولي الجديد الذي تسيدت فيه أمريكا العالم تماما زاد من شحنة الإدارة الجمهورية المحافظة التي عادت عائلة بوش لتقودها من جديد عندما فاز جورج دبليو بوش في أول إنتخابات الألفية الثالثة .
       في حين أن أهداف الصنف الثالث تمثلت في رفع لواء الديمقراطية وقيم العالم الحر في عالم شرق أوسطي لم يعرف إلا القمع والدكتاتورية وإضطهاد المرأة!! والتطرف الديني الأصولي الإرهابي وكراهية الغرب ولابد من تغييره ، شرق أوسط جديد بنكهة أمريكية يحد من التطرف ويطرد الظلام وينعش الإقتصاد وينبت قيم إنسانية لم يألفها.
         هذا بإيجاز كان زرع أمريكا الذي حرثته وبذرته وسقته في غزو العراق ، وبعيدا عن تقييم هذه الأهداف والنظر في موضوعيتها وواقعينها وصدقها لننظر ماذا حققته الإدارة الأمريكية من هذه الأهداف ، ماذا حصدت من زرعها وكيف يبدو بيدرها بعد مضي أكثر من نصف السنة الرابعة لإحتلال العراق ؟.
         لابد أن الرئيس جورج دبليو بوش أدرك أخيرا بعد أن أدرك العالم بأجمعه تقريبا باستثناء توني بلير ، أنه لم يحقق من أهدافه شيئا ،كالزوج المخدوع الذي يكون أخر من يعلم عادة ، وذلك بعد هزيمة حزبه في الإنتخابات التشريعية النصفية للكونغرس ، وكيف صوت الناخبون ضد سياسته في العراق ؟ في سابقة نادرة لإتجاهات الرأي العام الأمريكي الذي تحكمه عادة السياسة الداخلية وحالة الإقتصاد قبل أي شيئ أخر ، فعندما انهزم بوش الأب أمام الديمقراطي الشاب بيل كلنتون قيل أن قيادة العلم لإنتصار كاسح في حرب الكويت لم تشفع له أمام بعض الركود الإقتصادي ، والآن فإن المؤشرات الإيجابية للإقتصاد الأمريكي لم تشفع لبوش الإبن وحزبه الجمهوري ، إنها مفارقة إن دلت على شيء فإنما تدل على عمق الأزمة التي تواجهها إدارة بوش في العراق .
        ناهيك عن زيف الإدعاء حول أسلحة الدمار الشامل والعلاقة المزعومة بين النظام العراقي والإرهاب الدولي ، فإن أهم فشل للأهداف الأمريكية يتمثل في بوادر إنهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد ، فبينما أريد للعراق أن يكون نموذجا ديمقراطيا يحتذى ويلهم شعوب المنطقة ها هو يتحول الى حجة دامغة للأنظمة الشمولية ، إما نحن أو الفوضى والقتل والدمار ، الخيار الثالث لا وجود له ، بل أن أمريكا نفسها تود إشراك الأنظمة الشمولية في حل مشكلة العراق ، وهو موقف ينطبق عليه القول المأثور يستجير من الرمضاء بالنار ، فالأنظمة التي تود أمريكا الإستعانة بها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون جزءا من الحل لإنها تقريبا هي أصل المشكلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق