تناقلت الأنباء خلال اليومين الماضيين فقدان 190 ألف قطعة سلاح ( بنادق آلية – 110 آلاف ، ومسدسات – 80 ألف ) ،هي نصف التجهيز الذي زود به المحتل قوات الجيش والشرطة العراقية ، وضعف هذا الرقم من التجهيزات القتالية التي تشمل دروع واقية للرصاص ( 135 ألف قطعة ) وخوذات عسكرية ( 115 ألف قطعة ) ، لغاية 22 / أيلول / 2005 ، وهي فترة أوج نشاط حكومة الجعفري ووزير داخليته العتيد بيان جبر صولاغ .
جاء ذلك في التقرير الذي قدمه مكتب المحاسبة الحكومي ، الذراع التحقيقي للكونغرس الأمريكي الى المشرعين الأمريكان ، وتناقلته وكالات الأنباء على نطاق واسع ، والأنكى أن التقرير لاحظ إستمرار المشكلة عند تدقيق سجلات 2007 ، وبين عدم وجود سجلات رصينة لدى الإدارات العراقية المختصة .
رغم ما يشكله هذا الموضوع من خطورة فإنه مر – كما يقال - مرور الكرام ولم نسمع عن تحقيقات هيئة النزاهة ولا متابعات مكاتب المفتشين العامين في الوزارات المعنية ، الدفاع ، الداخلية ، الأمن الوطن ، بل أن وسائل الإعلام المحلية المختلفة المدعومة من الأحزاب المؤتلفة تحت مظلة حكومة المالكي ، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد الى الوزاء المختلسين الذين يتوجب تقديمهم للمحاكمة ، ولم تذكر بؤر الفساد الإداري الواجب مكافحتها بكل الوسائل الممكنة ، علما أن هذه الأوساط المحلية أقامت الدنيا ولم تقعدها لحد الآن حول وزراء سابقين من الطرف الأخر ، لم تثبت إدانتهم ، بل أن محكمة التمييز العراقية ردت الحكم الذي أصدرته محكمة النزاهة على وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي ونقضته إلا أن العديد من الصحف الحكومية أو المؤيدة لها لا زالت تنعته بالمتهم الهارب ، ولا زالت النزاهة تطارده وكأنه سبب كل مصائب وإخفاقات العراق الجديد .
أرجو أن لا يفهم من هذه المقارنة أننا مع هذه الجهة أو تلك ، وأننا نبارك جهود مكافحة الفساد وإصلاح الإدارات الحكومية ومحاسبة المتلاعبين بمقدارات البلد أياً كانت إنتماءاتهم ، ولكن هذه الإزدواجية في المعايير والكيل بمكيال الحزب والطائفة وغض البصر عن عيوب النفس وفتحها على أوسع مدى ضد الآخرين هو ما يحز في النفس ويقتل الأمل في مستقبل آمن مستقر لهذا البلد المبتلى ، ويزرع اليأس في إمكانية الخلاص من دوامة المأساة والتي لم تتوقف رحاها عن الطحن منذ أربع سنوات.
يعتقد المراقبون على نطاق واسع أن هذه الأسلحة ذهبت الى الميليشيات الطائفية وما يسمى باللجان الشعبية التي أصبحت العمود الفقري للشرطة والجيش إبان حكومة الجعفري – صولاغ ، خصوصا وأن المكونات الأخرى لم تنخرط فيها بسبب المقاطعة ، إما طاعة للفتاوي التي حرمت التطوع أو نتيجة الخضوع للتهديد والوعيد من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة . وقد أدى ذلك الى خلل في التوازن الطائفي للقوات المسلحة وهو ما تحاول الأطراف السنية إصلاحه دون جدوى .
هذا التقرير فرصة سانحة لكل من الحكومة العراقية المتهمة بالطائفية ، وسلطات الإحتلال المتهمة بالتخبط وعدم وضوح الرؤية لإصلاح الوضع وتقصي مسار إختفاء هذه الأسلحة ومحاسبة المقصرين وإعادة التوازن الحقيقي الى القوات العراقية لكي تضطلع بمهام خدمة العراق بدلا من الطائفة والحزب ، وذلل لعمري هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد .
من جانب آخر يتوجب على الكونغرس الذي تهمين عليه حاليا المصالح الإنتخابية أن يتنبه فعلا الى أموال دافعي الضرائب ، حيث أنفق البنتاغون الى حد الآن أكثر من 19 مليار دولار على تسليح وتدريب القوات المسلحة العراقية ويطلب حاليا مليارين إضافيين حسب نفس التقرير ، وبعد كل تلك النفقات والتضحيات يضطر الرئيس الأمريكي الى زيادة قوات الإحتلال ليقاتل الجندي الأمريكي نيابة عن "الجندي العراقي" الذي سلم سلاحه الى الميليشيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق