السبت، 30 يوليو 2011

العراق : كيف يمكن إقتسام السلطة ؟


 كيف يمكن إقتسام السلطة ؟ هذا هو السؤال الذي لن يتمكن الزعماء العراقيون ، ولا الإدارة الأمريكية أن يجدوا  له جوابا شافيا ما لم يعاد النظر في العملية السياسية برمتها ، وإن تواطأوا مكرهين تحت ضغط المحتل على حل توفيقي فلن يكون إلا مرحليا قصير العمر لن يلبث أن ينهار ، هذا ما انتهت إليه كل الحلول التوفيقية خلال السنوات العجاف الأربع الماضية من عمر العراق الجديد  .

من المعلوم بداهة أن أي إنتاج يفرزة النشاط الإنساني يحتاج الى مستلزمات أولية : مادية وبشرية ، سواء كان هذا الإنتاج سلعة أو خدمة عامة أو نشاطا فكريا أو نظاما إجتماعيا أو سياسيا أو إقتصاديا ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : إذا أردت محصولا زراعيا فعليك توفير الأرض الملائمة للزراعة والبذور  وغيرها من المستلزمات والفلاح الذي يحسن العمل .
وإذا أسقطنا هذا الأمر على النظام السياسي بتجريد مفرط نلاحظ أن مقومات النظام السياسي لأي مجتمع متحضر هي الدولة بمختلف مؤسساتها والكوادر المؤهلة لإدارتها  ، والكوادر بالطبع يجب أن تكون فنية تخصصية وادارية سياسية .
وقعت الإدارة الأمريكية في أخطاء كثيرة عند تعاملها مع العراق ، وفي الواقع لا يمكننا أن نعدد الآلاف من هذه الأخطاء التي اعترفت بها  كوندوليزا رايس ، وزيرة الخارجية الأمريكية ، وسوف نكتفي بخطئين اثنين يبدوان في رأينا الإطار العام لكل الآلاف الباقية من الأخطاء .
الأول :  أنها أطاحت بالدولة ومؤسساتها من الجذور وتركتها نهبا مستباحا لكل طامع غدار ولكل عدو حقود ولكل أفاك أثيم ، ولا زالت الحال على ما هو عليه وإن بدرجة أقل من بدايات الإنهيار الكبير لما كان يسمى عراق صدام حسين ، فتحولت الى هباء منثور وقاع صفصف لا عوج فيه ولا أمتا ، وعندما أرادت أمريكا أن تعيد بناء الدولة من جديد فإنها لم تستعين بأحد وذلك من غلواء المحتل المنتصر ونشوته العمياء ، ولم تطلب رأيا ولا مشورة لا من أهل البلد ولا من المجتمع الدولي ، وكانت اساسا قد ضربت بهذا المجتمع عرض الحائط وغزت العراق مع حليفتها بريطانيا ولم تقتنع به إلا بعد أربع سنوات من الدم والنار والعجز واضطرت قبل أيام ان تستصدر قرارا من مجلس الأمن لتوسيع دور الأمم المتحدة في العراق ، وهو برأيي قرار صائب تماما في وقت غير ملائم تماما .
الثاني : أنها سلمت  البلد لأحزاب دينية متخلفة غير مؤهلة لإدارة الدولة ، وأود أن أشير هنا بوضوح وتصميم متين لا ريب فيه أن الأحزاب الدينية المتخلفة ، شيعية كانت أو سنية ليست هي الدين لا من قريب ولا من بعيد ، ولم يحدث لحزب أو مجموعة دينية منذ انهيار الخلافة الراشدة أن استوعبت حقيقة الدين ووظفته لخدمة المجتمع كما يجب ، بدلالة قوله تعالى (( إن الذين أمنوا وعملو الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )) ، غياب الود والتلاحم وأواصر المحبة والتآخي وطغيان المنازعات وسيطرة الإقتتال والمؤامرات دليل أكيد على وجود خلل في الجانب الإيماني ، وهذا أمر لم يتحقق إلا في صدر الإسلام : في العهد النبوي الشريف وجزء كبير من الخلافة الراشدة .، لتتحول سياسة البلاد وإدارة العباد بعدها  الى ملك عضوض تراق على هياكله غير المقدسة  الدماء في كل عصر ومكان.
مشكلة الأحزاب الدينية  أنها متعارضة مع نفسها ، فالدين اساسا لا يجب أن ينحصر في مجموعة أو كيان محدد لأنه رسالة الى الناس كافة ورحمة للعالمين ، يأتي حزب مثلا ويسمي نفسه حزب الله ، أو الإخوان المسلمون ، طيب هل بقية الناس حزب الشيطان؟ ، نعم بقية الناس حزب الشيطان وإن ادعى الحزب غير ذلك ظاهرا  ، كل أدبياته وخطاباته ورسالاته تدل على ذلك ضمنا فهو الذي يسير على منهاج النبوة وآل بيته الكرام ، وبما أن منهاج النبوة وآل البيت الكرام هو الحق المبين فإن الآخرين بالتأكيد لا يسلكون طريق الحق المبين .
هذا هو بالضبط أساس مشكلة الأحزاب الدينية ، إدعاء إمتلاك الحقيقة المطلقة ، والحقيقة المطلقة لها سلطان مطلق على الآخرين أن يخضعوا لها وإلا الى سعار الدنيا وسعير الآخرة . فكيف لمثل هؤلاء القوم أن يرضوا بتقاسم السلطة والإعتراف بالآخر ؟.
أنظر مثلا الى تصريح المالكي خلال زيارته الأخيرة الى إيران وهو يمتدح دورها البناء في مكافحة الإرهاب في العراق .
ثم انظر الى بيان مؤتمر أهل العراق أحد مكونات جبهة التوافق السنية يوم أمس وهو يتهم إيران بالتأمر والضلوع في إرتكاب إبادة جماعية ضد السنة في العراق ويحذر الدول العربية الأخرى بأنهم لن يكونوا في منجى إذا لم يتحركو ضد ايران .
رأي المالكي هو رأي كل شيعة العراق بلا استثناء .
رأي عدنان الدليمي هو رأي كل سنة العراق بلا استثناء  .
فهل ستدرك أمريكا أنها تحرث في البحر .؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق