لا زال أقطاب التحالف الحكومي الشيعي الكردي في العراق الجديد يتهمون جهات محلية واطراف إقليمية عربية بالسعي للعودة بالعراق الى ما يسمونه بالعهد الصدامي البعثي ، عهد الدكتاتورية وإلغاء الآخر ، عهد الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية والحروب وتبديد ثروة العراق بمغامرات عبثية أو إدلائها الى جيوب المنتفعين والإنتهازيين الذين طبلوا لجرائم النظام وزمروا ، يجاريهم في ذلك بالطبع الإعلاميون المنتمون الى نفس الرؤية أو المتعاطفون معهم والسائرون في ركابهم والمتنقلون بين نواديهم .
هذا الإدعاء لا يخلو من صحة ، بل من نسبة كبيرة من الصحة إن لم نقل لاشك فيه ، إنه صراع طبيعي على المصالح وحرب لم تحط ولن تحط أوزارها بين الخصوم الذين لا يؤمنون بالحوار سبيلا الى التفاهم ولا يقبلون بالمشاركة منهجا الى التعايش ، لقد رأينا كيف أن العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي لا يجمعها هدف ولا يأتلف بينها فكر ولا تلتقي في طريق ، من إيران الى أمريكا مرورا بالأرجنتين وأوكرانيا ، وقفت صفا واحدا خلف أقطاب الحكم الذين كانوا في المعارضة أو أنهم اصطفوا هكذا بمحض الصدفة ، ونجحوا أخيرا في الإطاحة بغريمهم العتيد صدام حسين .
بغض النظر عن حقيقة من كان على صواب ومن كان في خطل ، وبعيدا عن تقييم هؤلاء أو أولئك فإن الواقع يخبرنا أن هناك دائما من يدافع عن مصالحه دون الإعتبار لمصالح الآخر في أغلب الأحيان ، في السر أو في العلن ، بحق أو بدونه ، بشرف أو وفق مقولة الغاية تبرر الوسيلة . إذا كان هذا الأمر مثار استنكار ومحل شجب فالكل سيان .
المهم هل ينجح العاملون من أجل إعادة البعثيين مثلما نجح العاملون على إزالتهم وخلعهم ؟ ، الوقائع تشير الى إمكانية حودث ذلك عاجلا أو آجلا ليس ببعيد .
باراك أوباما ، الحصان " الأسود" في ماراثون الإنتخابات الأمريكية قال اليوم أنه سوف يسعى الى تصفية المسألة العراقية وسحب قوات بلاده خلال عامين إذا دخل البيت الأبيض رئيسا وأضاف مبررا ما معناه أن لا فائدة ترجو من الزعماء العراقيين ، فالذين فشلوا في حكم بلدهم طوال خمس سنوات بدعم أكثر من 150 ألف جندي أمريكي ، لن ينجحوا في ذلك لو بقينا هناك ثلاثين سنة أخرى ، والجملة الأخيرة هي التي تهمنا كلام أوباما .
الجميع تقريبا وليس أوباما فقط لديهم هذا الإنطباع ، الزعماء الجدد لا يستطيعون حكم العراق ، بعد خمس سنوات لم يتمكنوا من تشكيل حكومة رصينة تتوفر فيها أدنى المتطلبات ، لا وجود لدولة المؤسسات ، هناك فقط مقرات أحزاب ودواوين عشائر وزورخانات طائفية وأقبية عنصرية ، وقطعان مسلحة لا يشبع نهمها للدم ، مجموعة من سبع أو ثمان أشخاص يقتسمون السلطة دون أن يتفقوا على كيفية إدارتها ، كتبوا دستورا ميتا ، أنشأوا برلمانا لا يقر إلا ما يريدون ولا يرفض إلا ما عنه يرغبون ، شكلوا فرق حكم أسموها وزارات لا تخضع لقانون ولا تمتثل لأعراف ولا تنصاع الى أوامر ولا تنجز المطلوب ولا تحسن إلا الحفاظ على المنهوب ، البرلمان يتهم الوزارات ، الحكومة تتهم النزاهة والنزاهة تطعن في الحكومة مرتين على رؤوس الأشهاد وأمام الكونغرس الأمريكي من قبل رئيسين من رؤسائها الثلاث ، والنتيجة تعطيل وشلل ونكوص شمل كل مفاصل الحياة ليجد المواطن وقد تكالبت عليه المحن والفتن والمرض والفاقة والخوف ونقص يكاد يكون تاما في الأموال والأنفس والثمرات ولا بشرى تلوح في الأفق ، فلا غرابة والحال هذه أن يحن الى عهد صدام الذي مهما قيل عنه وعن عهده فلا يرقى سوؤه الى ما يعانيه ويكابده الآن .
الحكومة ليست قائمة بذاتها وقوتها كما هو معلوم وإنما بقوة المحتل ودعمه وإذا قرر ان يتخلى عنها فسوف تنهار شذر مذر كما هو الحال في البصرة وقد جلس البريطانيون جانبا فكيف إذا رحلوا عنها كليا ، والبديل الأول هم البعثيون ، إما إذا فشل أوباما وقرر الأمريكان البقاء حتى ولو لمئة سنة كما صرح المرشح الجمهوري ماكين فإن سحب البساط من تحت هؤلاء ليس مستحيلا بل ليس بعيدا وقد يصبح قريبا من أولوياتهم خصوصا وأن البعثيين ضمن مجالس الصحوة تمكنوا من تحقيق نجاحات باهرة إذ ليس سرا أن معظم القادة في قوات الصحوات خصوصا هم من ضباط الجيش السابق وهم بعثيون أشداء قبل أن يكونوا ضباطا .
العملية ليست معقدة كثيرة والمحتل يبحث عن مصالحه وقد خاب ظنه في حلفائه ولن يصبر عليهم طويلا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق