السبت، 30 يوليو 2011

بين يدي ميلاد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم


المسجد النبوي الشريف
 إذا كان التاريخ برجاله وأيامه .
       والرجال بمواقفهم وأدوارهم .
       والأيام بعظائم شؤونها وجسائم شجونها .
       إذا كان الأمر كذلك ، فإن التاريخ لم يرقَ  ولن يرقى أبداً الى تاريخ محمد صلى الله تعالى عليه وسلم .
       وأن أرحام الأمهات  لم تلد ولن تلد قط رجلاً مثل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم .
       وأنه ليس أروع ولا أبهى ، وليس أطيب ولا أزكى ، وليس أطهر ولا أسمى من يوم ولد فيه ذلك التاريخ وأبصر فيه ذلك الرجل النورُ النور .
           ولد الهدى فالكائنات ضياء       وفم الزمان تبسم وثناء
***
         ولست –  في موقفي المتواضع هذا -  بمتحدثٍ عن ذلك التاريخ المشرق الذي صنعه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، فأي كلام يسعه ، وأية كلمات تحتويه  -  لن أسرد وقائعه الفريدة ولا صنائعه المجيدة ،  ولن أتتبع  كر لياليه وأيامه التي حفلت بكل معان الإنسانية السمحة  وفاضت بكل إشراقات الرحمة التي لم تكن البشرية قد ألفتها منذ عهد آدم عليه السلام .، لن أتحدث عن ذلك  لانه مما جاد به فم الزمان بلا فتور  ودارت عليه الألسن بلا كلل وتلقته الأسماع مستزيدة على الدوام بالزهو والفخار  ، حتى أصبح أو يكاد ، عند كل ذي لب ، علما ضروريا يقرب من البداهة .
         فمن منا لم يسمع أو لم يقرأ  كيف ولد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكيف شب وترعرع . ومن منا لم يسمع أو لم يقرأ كيف دعا الى الله سبحانه وتعالى ، وكيف  ذاد عن دينه ودافع عن حرماته ثم بسط منهجه وشرعته وأقام دولته ، أي أذى تحمل وأي جهد بذل وأية تضحيات قدم . بأمي وأمي ونفسي أنت يا رسول الله ، يا سيدي وسيد العرب والعجم ، من منا لم يسمع أو لم يقرأ عن موقفك الحازم الثابت كالجبل الراسي  ، وقولتك المشهورة التي كانت أمضى من صارم بتار وانت تعلنها بكل وضوح وإباء أمام جبروت قريش وأنت لا تملك إلا نفسك  ، وذلك بعدما أعياها صلفها وأعجزها غرورها عن ردك فساومتك على دينك تاجاوصولجانا وعلى إيمانك جاها وسلطنا ، لا زال صدى الزمان يردد :
         ( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله تعالى  أو أهلك دونه ).
         الله ألله ، أي رجل هذا ، وأي إرادة يمتلك ، بل أية عقيدة يدعو إليها .
        ومن منا لم يسمع أو لم يقرأ شهادة الباري جل وعلا في حقه ، في إطرائه والثناء عليه ، عندما أنزل قرآنا يتلى يثبت فيه خلقه العظيم ( وإنك لعلى خلق عظيم ) . وأية شهادة بعد هذه الشهادة ، وأي إطراء بعد هذا الإطراء .
***
        أقول ، لست  بمتحدث عن وقائع ذلك التاريخ وصنائعه ، لأن التاريخ ليس سجلا مجردا للزمن ، وإنما منهل ثرٌّ للدروس والعبر :

بسم الله الرحمن الرحيم

( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
          وإنطلاقا من هذا التوجيه  القرآني الأقوم نمعن النظر في ذكرى مولد فخر الكائنات صلى الله تعالى عليه وسلم ، نحتفي بها ونفخر ونستحظرها ونتدبر ، دون أن نجعل الذكرى المباركة مناسبة للتهاني والولائم ، فنكون بذلك مقلدين بالمفهوم المنكر الذي ورد في الحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه :
( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم ، قلنا يا رسول الله : اليهودَ والنصارى ، قال : فمن ؟ . ) .
       ويجدر في هذا الصدد ، صدد الإحتفال بذكرى المولد الشريف أن نذكر إخواننا لنا  يتوجسون من الإحتفال على أنه تقليد مبتدع لم يشهده خير القرون : الأول الهجري ولا الثاني ، نذكرهم بأن المولد الشريف من المسائل التي تلقتها الأمة بالقبول وبارك ذلك كبار  رجالها وفطاحل علمائها وليس من المعقول أن يقع كل أولئكم في دائرة الإبتداع ، هذا من ناحية المنطق . أما من ناحية الحجة والدليل فأننا ننقل رأيا فقهيا لطيفا عن أحد علماء المسلمين قال فيه ما معناه : أنظر أخي المسلم الى قول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم الإثنين ، قال صلى الله تعالى عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم رحمه الله تعالى:         
        (  ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه   )وذلك – كما يبدو – والله أعلم على سبيل الإشادة والإحتفاء بيوم الإثنين ، والتذكير بما شهده من حادثتي المولد ونزول الوحي . وكان صلى الله تعالى عليه وسلم بعد يصومه بما يشبه الإحتفاء الإسبوعي وليس السنوي كما نفعل  ، القضية إذن ليست في الإحتفال من عدمه وإنما في كيفية الإحتفال ، وقد كان إحتفاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بيوم مولده صيام وعبادة فلننظر نحن كيف نحتفي ونحتفل .    
***
         ( ذاك يوم ولدت فيه ، وذاك يوم بعثت أو أنزل علي فيه )
         وهكذا أيها الإخوة: فإن هذا اليوم المبارك ، ليس يوم المولد الشريف وحسب ، وإنما يوم الصلة مع الله سبحانه وتعالى ، ويوم الإتصال الأول بيننا وبين ربنا جل وعلا عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام ، وعبر قلب النبي الأكرم صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو بذلك يوم تأسيس ديننا الحنيف .
***
 وليس غريبا ان يقترن مولد الوحي الكريم مع مولد الموحى إليه صلى الله تعالى عليه وسلم  ، وانظر معي أخي المسلم الى قوله تعالى في سورة المائدة :
                     ( لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )
والنور هو نور الحكمة النبوية الكاملة التي جسدها شخص الرسول الأعظم صلوات الله تعالى وسلامه عليه – على الأرجح -  والكتاب المبين هو القرآن العظيم  ، قرن بينهما في المولد لإن الأصل واحد ، ثم قرن بينهما ثانية في سورة النساء فقال تعالى :
( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا ) فالبرهان هو الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام  ، والنور المبين هو القرآن المجيد على ما ورد في التفاسير . والله تعالى أعلم .
       فلننظر أي عظيم تقدير يستحق هذا اليوم وأي جليل وفاء يوجبه  علينا ، وأية دروس نستخلص وأية عبر نستلهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق