لا زالت العديد من مظاهر الحياة في العراق الجديد ( الديمقراطي !) أسيرة لأنماط العراق القديم ! ( الديكتاتوري !) ، طبعا هناك مميزات متفردة في العراق الجديد سوف نخصص لها وقتا آخر إن شاء الله تعالى ، مع الإشارة الملحة الى أن العراق الديمقراطي الحالي ليس إلا مجموعة ديكتاتوريات ، متدنية المؤهلات من أمثال دكتاتورية العراق القديم وأن شخوص هذه الديكتاتوريات لا تملك عشر من كاريزما دكتاتور العراق القديم ، وأن الوصف الديمقراطي والديكتاتوري ليس إلاّ مجازا تفرضه ضرورات المقارنة ، المهم سوف نحاول الآن تسليط الضوء على بعض الظواهر المشتركة بين العراقَيْن تباعا إذا حالفنا التوفيق ، وبرأيي المفرط في التواضع أن أخطر هذه المظاهر المشتركة وأكثرها بؤسا في نفس الوقت كما سنرى لاحقا في هذه العجالة هو الإعلام ، ذلك لأن الإعلام سلاح أشد فتكا من الأسلحة التقليدية ، فبينما تدخل البندقية مثلا الرعب في روع إنسان أو مجموعة من البشر فإن الخبر المرئي أو المسموع أو المكتوب عن نفس البندقية سوف ينقل هذا الرعب الى كل بيوت الناس ولهذا السبب فإننا نلاحظ أن المجموعات المسلحة تهتم كثيرا بهذه الناحية لتسويق الرعب الذي تمارسه وإحداث أكبر قدر ممكن من التأثير .
نضرب مثلين ، جريدة الصباح العراقية التي هي واحدة من مؤسسات شبكة الإعلام العراقي التي أنشأها الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر تتابع الأصداء الإعلامية لمؤتمر أمن بغداد وتشير اليوم الى اشادة عالمية بقررات ومقررات المؤتمر وتعلن في نفس الوقت كنتيجة مستقاة من ذلك الى وجود إجماع دولي على حكومة المالكي ،كان هذا الأمر ، أي متابعة أصداء الخطب التاريخية والإنجازات الرشيدة للقيادة الحكيمة أهم خطط الإعلام في العراق القديم وهكذا كنا نرى كيف أن فلاحا في زيمبابوي يعتبر الرئيس القائد ضرورة لضمان السلم العالمي عندما تبعث السفارة أحد مخبريها الى ذاك الفلاح وأمثاله كمندوب عن جريدة الثورة ، واذا علمنا أن الوثيقة الرسمية الوحيدة التي صدرت عن مؤتمر بغداد هي إيجاز السفارة الأمريكية في العراق تعليقا على مؤتمر صحفي للسفير خليل زادة مع إعلاميين أمريكيين من بغداد عبر الأقمار الصناعية وأن هذا الإيجاز لم يتطرق الى ما ذهبت اليه الصباح لا من قريب ولا من بعيد ،وأن حكومة المالكي عليها إجماع حقيقة ولكن الإجماع يرى تغيير حكومة المالكي وليس تأييدها َذا علمنا كل ذلك وجدنا أي بؤس تريده الصباح أن تسوقه على طريقة الإعلام القديم عن إنجازات تاريخية هي مجرد ضحك على الذقون وهذا ديدن الإعلامي الحكومي كله الآن
المثال الثاني من الإعلام غير الحكومي متمثلة في جريدة المؤتمر ، هذه الجريدة كما هو معروف ناطقة بإسم المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه الدكتور أحمد الجلبي ، وللأخير قضية أخرى في مقام آخر نبين فيها كيف أنه بسبب تبدلاته السياسة في سبيل الوصول الى السلطة اضطر الى خوض الإنتخابات الأخيرة بقائمة منفصلة ولم يحصل سوى على 609 أصوات فقط لا غير من مجموع اكثر من عشرة ملايين ناخب عراقي اشنرك في الإنتخابات على ذمة المصادر العراقية المشتركة فيها والموجودة في السلطة حاليا . جريدة المؤتمر انفردت اليوم بنشر خبر ظهور ( أنظر الى المفردة "ظهور" ) السيد مقتدى الصدر في كربلاء مشاركا في مراسيم إربعينية الحسين، وذلك في منتصف الصفحة الأولى من الجريدة ، وتدور صياغة الخبر حور ايحاءات فوقية مثل رأى البعض ، وأكد البعض وتعالت الصلوات وما الى ذلك من الإيحاءات الروحانية التي تدغدغ الإنطباعات الأيمانية لدى عامة البسطاء ، ومرة أخرى اذا علمنا أن السيد الجلبي استاذ رياضيات ، متخرج ومحاضر في الجامعات الأمريكية ومصرفي مثار للشبهات وعلماني من الدرجة الأولى وأنه لم يتقدم الى الإنتخابات الا بعد وعد غير منجز من الصدر نفسه مقابل هدية عبارة عن سيارة مصفحة قيمتها 500 الف دولار ، اذا علمنا كل ذلك علمنا أي بؤس يريد السيد الجلبي تسويقه عبر جريدته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق