السبت، 30 يوليو 2011

الإسلام منهجا … بين الفرد والجماعة


لا شك أن الإسلام عقيدة ومنهج حياة . عقيدة متكاملة ومنهج مستقيم ، لا تضاهيها عقيدة ولا يدانيه منهج  ، يستمد هذا التفوق أولا وقبل كل شيء من المشرع ، الخالق العظيم سبحانه وتعالى ، وبدون الدخول في التفاصيل فإن أعظم سمات هذه العقيدة وهذا المنهج وأكثرها سموا هي أن الإسلام مع هذه المكانة السامية دين إختياري ، فبخلاف أصحاب العقائد الوضعية ، ولله المثل الأعلى ، لم يستغل الله سبحانه وتعالى سلطانه المطلق في فرض عقيدته ومنهجه في إجبار الإنسان على الإلتزام به والإنقياد له ، واكتفى بالبيان ، سلاحه الحجة والبرهان في الدنيا والعاقبة في الآخرة ، فقال سبحانه وتعالى (( لا إكراه في الدين )) ، وقال جل وعلا (( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) ، وفضلا على ذلك فإنه سبحانه وتعالى لم يخول أحدا سلطة إجبار الآخرين على الدخول في هذا الدين وإلتزام هذا المنهج حيث قال سبحانه وتعالى (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم )) ، وإنما أوضح سبيل الدعوة فقال عز وجل (( أُدعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلتهم بالتي هي أحسن )) ، بل أنه سبحانه وتعالى أمر الدعاة والمؤمنين بالبر والقسط عامة ، من آمن ومن لم يؤمن بمقتضى قوله العزيز (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين )) .
من هذا المنطلق نرى أن الإسلام يستهدف الإنسان كفرد وليس كجماعة ، حتى إذا اكتمل بناؤه إيمانيا وتقويمه إنسانيا شُرع به لبناء الجماعة ، على مقتضى الحال دون تدخل ودون خوف لأن الطيب لا ينتج إلاّ طيبا ، قال تعالى ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ))، بمعنى ان الإسلام منهج لحياة الفرد وليس لحياة الجماعة حاله في ذلك حال لبنة البناء كلما كانت منتظمة وقوية كلما كان البناء قويا ومنتظما ، ولهذا فإن القرآن الكريم لم يهتم بتفاصيل نظام الجماعة المسلمة ، لا على صعيد الدولة ولا على صعيد المجتمع .
على صعيد الدولة ونعني به النظام السياسي ، توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يسمي حاكما ودون أن يؤسس لنظام سياسي ( طبعا هنا
  نستثني المذهب الجعفري لعدم المناسبة )، فكانت حادثة السقيفة التي تمكن الربانيون ، لبنات المجتمع الذين صبَّهم  محمد صلى الله عليه وسلم في قالب الإيمان  أن يجتازوها بامتياز قلّ نظيره حتى في أكثر النظم السياسية رصانة عبر التاريخ ولغاية العصر ، ثم أن النظام السياسي بقي سائبا دون تشكل عبر الخلافة الراشدة ، كل حالة تلد نظاما سياسيا جديدا كما هو معروف لكل مطلع ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه إعتمد التعيين والفاروق عمر فضل مجلسا مصغرا ، وعلي بن أبي طالب جاء بثورة ( يحلو للتاريخ أن يسميها فتنة ) لم يكن مشتركا فيها ، ولهذا عندما قصده الثوّار لتولي الأمر ، اشترط موافقة مجلس أوسع حيث أنه لم يقبل إلاّ ببيعة الأولين من المهاجرين والأنصار.
وعلى صعيد المجتمع فإن المفسرين لم يجدوا في القرآن الكريم سوى سبعة أحكام ، ومع أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم كان معنيا ببيان التنزيل (( لتبين للناس ما نزِّل إليهم )) فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع إجتهاد جمهرة الصحابة على عهده ، ودخل هذا الإجتهاد في التشريع النبوي تحت مسمى التقرير ، يصنف علماء الحديث إرث الرسول صلى الله عليه وسلم التشريعي الى قول وفعل وتقرير ، والأخير يعنى به ما تبنّاه المسلمون من مواقف وقرارت وأقرهم عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهناك الكثير الكثير منها ،  أي أن المسلمين شاركوا في التشريع وهم بالتأكيد لا ينطبق عليهم قول الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وسلم (( وما ينطق عن الهوى )) .
وهذان الأمران ، أي عدم تأسيس نظام سياسي وعدم تفصيل الأحكام التي تنظم حركة المجتمع ككل ، يدلان دلالة قطعية أن الإسلام منهج لحياة الفرد ، ويستهدف بناء الإنسان ليكون لبنة بمواصفات قياسية  لبناء المجتمع الذي يتوافق مع مصالحه دون أن يزوِّده بخريطة البناء ، وهذا بالضبط سر ديناميكية الإسلام وأنه مطرد على خط الزمن الى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
… وللحديث صلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق